ويمكن لعلمائنا اللغويين المعاصرين أن ينقدوا وأن يبتكروا ما شاءوا من الطرق لدراسة اللغة، ما داموا يرون أن هذه الطرق تقربنا من فهم أسرارها، أكثر من الطرق السابقة. وتبقى المهمة العاجلة: وهي تيسير تعلم اللغة العربية الفصحى للملايين من أبناء العربية، لأن طبيعة اللغة تأبى التحجر والتوقف عند حد معين. فما أجدرنا أن نتقبل الصيغة العربية الجديدة، والتعبير العربي الجديد من أجل إثراء هذه اللغة وتمكينها من أداء وظيفتها. وما أجدرنا أن نحافظ على جذر هذه اللغة ليكون ثابتا قويا صامدا.
وما علينا إلا أن نردد مع الدكتور شكري محمد عياد هذه الفقرة: « ... وما دمنا مكلفين بالدفاع عن ديننا وهو جوهر حضارتنا، فنحن مكلفون أيضا بالدفاع عن لغتنا» ([54]).
ونختم دراستنا بما قاله المفكر الفرنسي (فانساي مونتاي) في حق اللغة العربية حيث يقول: «أعتقد أن اللغة العربية كانت وما تزال لغة العصر وبسبب مرونتها والذخيرة التي تملكها من الألفاظ. إنها أداة حضارية ثقافية، ووجه للفكر العربي، وهي وسيلة للاتصال والتفاهم المحلي والعالمي، وهي غير عاجزة عن أن تكون لغة معاصرة، والتقصير والنقص ليس في اللغة العربية، إنما هو عجز أولئك الذين لم يوفوها حقها وسلاستها وحيويتها ... صحيح إن هناك اليوم مشاكل تعترض اللغة العربية بسبب هجمة كبيرة من المصطلحات والألفاظ الأعجمية، لكن أتساءل هنا ماذا فعل العرب الأوائل عندما جابهتهم الحضارة الإغريقية بفلسفتها العقيمة، إنه لا مفر من أخذ التجارب الأولى كدليل، ثم التوسع فيها وبما يخدم هذا العصر ([55]).
والمستشرق الألماني كارل بروكلمان مشيدا بفضل القرآن على اللغة العربية إذ يقول: «بفضل القرآن بلغت العربية من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أي لغة أخرى من لغات الدنيا، والمسلمون جميعا يؤمنون بأن العربية وحدها اللسان الذي أحل لهم أن يستعملوه في صلواتهم، وبهذا اكتسبت العربية منذ زمن طويل مكانة رفيعة فاقت جميع لغات العالم الأخرى التي تنطق بها شعوب إسلامية» ([56]).
إنها حقاً معجزة الإسلام الخالدة.
الهوامش:
-----------
([1]) المقدمة، ص. 546.
([2]) أنظر ما كتبه الدكتور ابراهيم الحاردلو من جامعة الخرطوم في "الشرق الأوسط" عن (بعض القضايا الحضارية للغة العربية المعاصرة) عدد: 2/ 10/1981 م، ص. 12.
([3]) نقلا عن صحيفة العلم المغربية، عدد 29/ 2/1992 م، ص. 12.
([4]) البيان والتبيين، تحقيق فوزي عطوي، مكتبة الطلاب وشركة الكتاب اللبناني، بيروت، 1986. ج 1، ص. 88.
([5]) أنظر محمد العدنوني، «اللغة العربية في قفزاتها التاريخية»، مجلة الدوحة، عدد مايو، 1977، ص.24.
([6]) أنظر عبد الكريم ذنون، «تعريب دواوين العراق في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي»، مجلة آفاق عربية، عدد 12، السنة: 4/ 1979، ص. 97.
([7]) أحمد حسن الزيات، تاريخ الأدب العربي، القاهرة، د. ت، ص. 206.
([8]) عدنان يوسف سكيك، «خصائص الفصحى واتجاهات التأليف المعجمي»، بتصرف عن مجلة الفصول الأربعة الليبية، عدد: سبتمبر 1980، ص. 192 - 193.
([9]) أحمد أمين، ضحى الإسلام، القاهرة، ط. 7، 1961، ج 2، ص. 290.
([10]) ياقوت الحموي، معجم الأدباء، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت، ج 11، ص. 74.
([11]) أنظر مجلة الفصول الأربعة، مرجع سابق، ص. 195.
([12]) انظر حسين نصار، المعجم العربي: نشأته وتطوره، القاهرة، 1968، ج 1، ص. 255 - 273.
([13]) مجلة الفصول الأربعة، مرجع سابق، ص. 198
([14]) نفسه.
([15]) عفيف عبد الرحمن، «من قضايا المعجمية العربية المعاصرة» بتصرف عن مجلة مجمع اللغة العربية الأردني، عدد: 35/ 1988، ص. 45 - 46؛ وانظر كذلك: صحيفة الشرق الأوسط، عدد: 21/ 1/1993 م، ص. 20.
([16]) أنظر مجلة اللغة العربية الأردني، مرجع سابق، ص. 13.
([17]) المرجع نفسه، ص. 12.
([18]) أنظر «اللغة العربية بين المعجم العربي القديم وإشكالية المعجم الحديث»، أنوال الثقافي، عدد: 25/ 31، ماي 1986 م، ص. 16.
([19]) أنظر: إبراهيم السامرائي، «حاجتنا إلى معجم جديد»، مجلة الطليعة الأدبية، العدد السابع، السنة الرابعة، يوليو 1978، صص. 136 - 13.
([20]) أنظر: سمير روحي الفيصل، «اللغة العربية والوعي القومي»، مجلة شؤون عربية، عدد سبتمبر 1992، صص.157 - 158.
¥