اللغة العربية معجزة العرب الخالدة/ أ. محمد القاضي

ـ[نبيل الجلبي]ــــــــ[12 - 12 - 2010, 02:10 ص]ـ

اللغة العربية معجزة العرب الخالدة

الأستاذ محمد القاضي

مدخل

يقول ابن خلدون: «إعلم أن اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده. وتلك العبارة فعل لساني ناشئ عن القصد بإفادة المتكلم، فلا بد أن تصير ملكة متقررة في العضو الفاعل لها، وهي اللسان وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم، وكانت الملكة الحاصلة للعرب من ذلك أحسن الملكات وأوضحها إبانة عن المقاصد لدلالة غير الكلمات فيها على كثير من المعاني من المجرور أعني المضاف، ومثل الحروف التي تفضي بالأفعال إلى الذوات من غير تكلف ألفاظ أخرى، وليس يوجد ذلك إلا في لغة العرب وأما غيرها من اللغات فكل معنى أو حال لا بد له من ألفاظ تخصه بالدلالة ... » ([1]).

اللغة هي الأداة الأولى التي يستعملها الإنسان ليعيش، ولكنها أداة خاصة هي منه وإليه لا يصنعها كما يصنع أي شيء لوحده وبمعزل عن غيره، بل هي أداة جماعية يصنعها هو مع غيره المعايش له باتفاق ضمني ومتواصل يعيش بها أولا وذلك ليعبر عما يحتاجه لضمان حياته المادية ورغباته المختلفة وضمان حياته الفكرية والشعورية بالتعبير عن هواجسه وعواطفه وأحلامه وآرائه. وأصبحت (الكلمة) أقوى مخدر استعمله البشر كما يقول (كبلنج). وتصرف اللغة في الإنسان كتصرف العادة فيه، أي بمجرد ما يألف الإنسان حركة ما إلا وتسيطر عليه هذه الحركة فيضطر إلى تكرارها دوما، والعادة اللغوية سمعية أساسا. والسمع هو أبو الكلمات اللسانية كما يقرر ابن خلدون، وكل لغة معرضة للتأثير بلغة أو لغات أخرى لأسباب متعددة منها: علمية وتكنولوجية واجتماعية وسياسية واقتصادية، وفي إطار هذا التأثر تكتسب اللغة وسائل تعبيرية منها الجديد على اللغة ومنها ما يضاف أو يحل محل مثيل أو مرادف لها في اللغة، ومعظم اللغات حينما تتجاوز أو تتعايش يتفاعل بعضها مع بعض في ظل تعامل وتبادل واقتراض.

والتجديد في اللغة يمكن أن ينجح إذا اعتمد على قاعدة النفعية أي سد حاجة تعبيرية معينة دون تزمت وقسرية ذلك لأن اللغة من حيث هي مؤسسة متحركة لارتباطها بنشاط الإنسان المتجدد يحكمها قانون الغاية النفعية وليس قانون القسرية لأن هذا الأخير يعزلها.

لغة أبدعها الإنسان وأتقنها الأتقان:

لقد كرم الله تعالى العرب قديما حين أنزل كتابه العظيم القرآن بلغتهم، وحين اختار خاتم أنبيائه وأعظمهم من بين صفوفهم، وحين شرفهم من بين سائر خلقه آنذاك بحمل رسالته ونصرة دينه وإعلاء كلمته.

إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون (يوسف، 2).

وكذلك أنزلناه حكما عربيا .. (الرعد، 37).

.. وهذا لسان عربي مبين (النحل، 103).

وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا (طه، 113).

وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من

المنذرين بلسان عربي مبين (الشعراء، 193 - 195).

... قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون (الزمر، 28).

كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها (الشورى 7).

إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون (الزخرف -3).

... وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين (الأحقاف-12).

فمع القرآن، أول دستور حقيقي في تاريخ الأمة العربية، تجاوزت شراذم القبائل مرحلة الشرذمة إلى مرحلة الأمة والوعي بهذه الأمة فسادت وانتشر لسانها وفشت لغتها، وتحولت بمرور الزمن وسريان التاريخ إلى الأداة الثقافية الأولى في عالم العرب والتي من خلالها يتفاهمون. وفي تاريخ اللغة العربية مراحل وأطوار قديمة لا ندري على وجه التحقيق كيف تدرجت بها اللغة حتى وصلت ذلك المستوى الذي عرفناه فيما وصل إلينا من الشعر الجاهلي وبعض الكلام النثير من الخطب والمواعظ والحكم، ولكن ما وصلت إليه اللغة العربية في هذه الفترة يدل على أنها مرحلة نضج واكتمال، سادت فيه لهجة بعينها أو مجموعة من اللهجات - لعلها أفصح اللهجات في البلاد العربية - على غيرها وأصبحت هذه اللهجة الراقية ذات المستوى الرفيع التي يتعامل بها الناس في مجالات مشتركة. ولعل اللهجات الأخرى بقيت محصورة في قبائل ومناطق مع وجود تلك اللغة الرفيعة. ولعل تلك اللهجات الأخرى التي تقل في مستواها عن هذه تمثل في وقتنا الحاضر اللهجات الدارجة في البلاد العربية المختلفة المتحدثة باللغة

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015