وقد أحسن أمراء المدينة وهم من آل المهنا ولاسيما القاسم بن مهنا إقامة الروابط مع الأيوبيين ومع الخلافة العباسية، وكان مقرباً إلى صلاح الدين الأيوبي الذي عني بالحرمين الشريفين وأرسل الأموال الجزيلة إلى أميرها مقابل إسقاط الضرائب عن الحجاج كما أرسل الأموال إلى القبائل لحماية القوافل والحجاج رغم انشغاله بالحروب الصليبية وحاجته الماسة إلى المال لإنفاقه عليها. ومن مآثر صلاح الدين الأيوبي في المدينة أنه خصص الخدم للمسجد النبوي وجعل لهم أوقافاً في مصر لدفع رواتبهم، وكان هذا بداية لنظام الأغوات والذي استمر بعد ذلك إلى عصرنا الحاضر.

المدينة والصليبيون

في ذروة الحروب الصليبية، وخلال عهد صلاح الدين الأيوبي قام أحد ملوك الصليبين (أرناط) بمحاولة لغزو المدينة، وكان أرناط شديد العداوة للمسلمين، وأغار على قوافل الحجاج ونهبها وفتك بالمسلمين، ثم عقد صلحاً مع الأيوبيين وتعهد بعدم الاعتداء على الحجاج، ولكنه أضمر الغدر فجهز حملة صليبية أنزلها في البحر الأحمر، فهاجمت إيلة وينبع وقتلت وأسرت ونهبت وأحرقت، ثم نزلت في ينبع وانتهت إلى الجبال، وعلم صلاح الدين بالأمر فأوعز إلى نائبه في مصر بتجهيز حملة لمطاردتهم في البحر والبر وقاد حسام الدين لؤلؤ الحملة، ولحق بالغزاة في الحجاز فهربوا إلى المرتفعات، فتبعهم وأدركهم على مسافة ليلة واحدة من المدينة وقتل بعضهم وأسر الباقين. فوزعهم صلاح الدين على الأمصار لتضرب أعناقهم فيها وما لبث أن تمكن من أسر أرناط في موقعة حطين وقتله بيده، وسلم الله المدينة من غزوة صليبية حاقدة.

ظلت المدينة المنورة مرتبطة بالأيوبيين إلى نهاية عهدهم ولم يتدخل الأيوبيون في شؤون المدينة الداخلية، وتركوا لأمرائها إدارة شؤونهم المحلية، وكانوا يرسلون إليهم الأموال والهدايا، وبعد وفاة صلاح الدين ارتبطت بأولاده الذين حكموا مصر غالباً، ولكنها تأثرت بالصراع الذي قام بين الأمراء المحليين في مكة والمدينة، والصراع الذي قام بين الأيوبيين والرسوليين في اليمن، ولم يكن للمدينة قوة خارجية تعزز جنودها القليلين، لذلك تعرضت لهجوم بعض القبائل أثناء غياب أميرها سالم بن قاسم بن مهنا أواخر القرن السادس لبعض الوقت، كما طمع فيها أمير مكة قتادة بن إدريس وهاجمها فقاومه أهلها بقيادة أميرهم سالم، ومالبثوا أن ردوا عليه عدوانه فحاصروه في مكة ثم تركوه، وحاول قتادة القبض على أمير المدينة في موسم الحج فاستعدى عليه الملك العادل بن صلاح الدين الأيوبي ملك دمشق فأرسل حملة ضربت قواده في وادي الصفراء، وتوفي أمير المدينة قبل المعركة وخلفه ابن أخيه القاسم بن جماز فاهتم بتعزيز القوة العسكرية للمدينة، وأسس جيشاً صغيراً قوياً وعاقب بعض القبائل التي هددت المدينة والطريق إليها، كما هدد قتادة ومنعه من أن يهاجم المدينة ثانية، ومرت بالمدينة سنوات من الطمأنينة والأمن ونشطت الحركة العلمية في المسجد النبوي والحركة الاقتصادية، ولكن أمير المدينة تورط في الصراع القائم في مكة بين أميرها الذي عينه الأيوبيون وأحد أبناء قتادة وقاد جيشاً لنصرة قتادة فخسر المعركة وخسر حياته. وتولى بعده إمارة المدينة شيحة بن هاشم الذي أعاد العلاقة الطيبة مع الأيوبين وساعدهم بقوة من أهل المدينة ضد خصومهم أتباع الدولة الرسولية في اليمن الذين استولوا على مكة وعاشت المدينة في عهده فترة هدوء وطمأنينة في غالب الأوقات ولكن الطريق إليها لم يسلم من بعض تهديدات الأعراب الذين قتلوا أمير المدينة شيحة وهو في طريقه إلى بغداد. وظلت المدينة موالية للأيوبيين في مصر حتى انتقلت منهم إلى المماليك فنقلوا ولاءهم إليهم.

-----------------------

للتوسع:

التاريخ الشامل ج2/ 175 - 223

ـ[المستعار]ــــــــ[22 - 07 - 2002, 11:16 م]ـ

العهد المملوكي

المدينة والمماليك

((648 ـ 923 هـ))

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015