النبوي. وبسبب ضعف السلطة المركزية في بغداد وانشغالها بالفتن المتوالية قام صراع بين فريقين من الأسرة الهاشمية لتسلم إمارة المدينة فريق من الحسينيين وبعض الحسنيين، وفريق من الجعفريين وتسلم الجعفريون الإمارة لبعض الوقت، ثم انتزعها منهم الحسينيون عام 266 هـ. حيث جاء محمد بن أبي الساج وتسلم السلطة منهم وعين الحارث بن سعد على إدارتها، فضبط الأمن وقبض على عدد من المفسدين. وتفجر الصراع مرة ثانية عام 269 هـ ثم ظهر بعض الطالبيين المنحرفين، وهم أفراد قلائل من الأسرة الهاشمية الكريمة ساءت نشأتهم وشذوا عن أخلاق هذه الأسرة وعاشوا بين الأعراب أو مع المفسدين وصاروا مثلهم، لا يحملون شيئاً من العلوم التي اشتهر بها الهاشميون ولا من شيمهم، وقد أقلق هؤلاء المنحرفون أهل المدينة عدة مرات وقتلوا ونهبوا وآذوا الناس وكان منهم محمد وعلي ابنا الحسين بن جعفر الحسيني فقد أغارا على المدينة مع رجالهما عام 271 هـ. وقتلوا عدداً من الهاشميين وغيرهم ونهبوا الأموال ثم غادروها. وقبل نهاية العام وصل جيش عباسي بقيادة أحمد بن محمد الطائي استطاع أن يثبت الأمن في المنطقة فعادت السكينة إلى المدينة وصارت واحة للأمن وسط الاضطرابات الكثيرة في المناطق الأخرى وازدهرت فيها حلقات العلم ثانية وكثر الوافدون من طلاب العلم والمجاورين الذين يقيمون فيها مدة من الزمن، وبعضهم يؤثر أن يقضي بقية عمره في رحابها أملاً في أن يحظى بمثوى في مقبرة البقيع.

وخلال العقود الستة من القرن الرابع الهجري، وقبل أن تدخل المدينة تحت النفوذ الفاطمي استمرت الحياة هادئة في الغالب يقضيها الناس في شؤونهم اليومية، بين العمل في الزراعة والتجارة وبعض الحرف والخدمات، وبين الصلوات في المسجد النبوي وحضور حلقات العلم فيها ولقاء الوافدين من علماء المسلمين من أقطار العالم الإسلامي. ولم يعكر هذا الصفو إلا اضطرابات طارئة يسقط ضحيتها بعض المتصارعين على السلطة وأتباعهم ثم تنتهي الأزمة بسيطرة أحد الفريقين المتصارعين وانسحاب الآخر فقد تجددت الصدامات بين الحسينيين ـ ومن معهم من الحسنيين ـ والجعفريين عام 348 هـ ووقع عدد من الضحايا وأرسل الفاطميون من المغرب من يصلح بين الفريقين ويتحمل ديات القتلى ثم خرج الجعفريون من المدينة إلى بعض القرى، ومنها إلى صعيد مصر وخلت إمارة المدينة للحسينيين. كما أن الإخشيديين الذين استولوا على مصر وثبتوا حكمهم فيها عام 330 هـ. مدوا نفوذهم الاسمي إلى المدينة، فقد أقر الخليفة العباسي الإخشيد (محمد بن طغج) على ولاية مصر وضم إليه الحجاز، ولكن سلطته كانت اسمية فقط لا تتعدى ذكر اسمه على المنبر والدعاء له بعد الخليفة العباسي. وقد فرح الإخشيديون بذلك وخاصة كافور الإخشيدي وأرسلوا الأموال والأعطيات لتوزع في الحرمين الشريفين. وظل هذا الولاء الاسمي حتى عام 357 هـ حيث قطع ذكرهم لانتهاء دولتهم في مصر واقتصر الدعاء بعدها على ذكر الخليفة العباسي ثم أمير المدينة الحسيني إلى أن دخلت المدينة تحت نفوذ الفاطميين سنة 363 هـ.

-----------------------

للتوسع:

البداية والنهاية ج 10/ 40 - 369 - ج11/ 3 - 297

ـ[المستعار]ــــــــ[22 - 07 - 2002, 11:14 م]ـ

مرحلة الارتباط بالفاطميين

((363 هـ ـ 463 هـ))

كانت المدينة في النصف الأول من القرن الرابع الهجري صغيرة وضعيفة وهدفاً لغزو الأعراب وعندما اشتد أمر دولة الفاطميين في مصر أعلن أمير المدينة، وأمير مكة، الولاء للفاطميين عام 363هـ، وذلك بسبب الروابط المتينة بينهم (التشيع)، ولموقف سابق للفاطميين أصلحوا فيه بين الهاشميين المتنازعين في الحجاز (بنو الحسن والحسين من جهة وبنو جعفر من جهة أخرى) وفرح الخليفة الفاطمي المعز لدين الله بهذا الولاء وأرسل الأموال والهدايا.

وكانت العلاقة بين أمراء المدينة والفاطميين مضطربة، فأحياناً كانت لا تتعدى الولاء الاسمي، ولذا كانت تتحول إلى العباسييين بين الفترة والأخرى، وذلك لعدم اهتمام الفاطميين بحاجات أهل المدينة، وضعف الإدارة، كما أن حكام مكة المتمردين على الدولة الفاطمية ضموا إليهم المدينة مدة تمردهم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015