ـ[المستعار]ــــــــ[22 - 07 - 2002, 11:13 م]ـ

مرحلة الارتباط بالخلافة العباسية

(132 - 363 هـ)

تمتد هذه المرحلة من 132 هـ إلى 363 هـ عاشت المدينة المنورة خلالها فترات متعاقبة من الهدوء والاضطراب السياسي، ومن الأمن والاستقرار، والخوف والقلاقل، ومن ازدهار الحركة العلمية وإقبال طلاب العلم عليها من كل مكان، وتقلص تلك الحركة واقتصارها على أعداد قليلة من العلماء المقيمين أو المجاورين لمدة محدودة. وكان العامل المؤثر في ذلك هو قوة الخلافة ورجالها، ومن ثم قوة من يتولى إمارة المدينة وحكمته.

وفي بداية هذه المرحلة كانت المدينة مركزاً نشطاً للحركة العلمية يعيش فيها أعلام الحديث والفقه في مقدمتهم الإمام مالك بن أنس وابن هرمز والقاسم بن إسحاق وعلي بن زيد ومحمد بن عبد الله بن عمر ومحمد بن عمر بن حفص. فضلاً عن تلاميذ الإمام مالك النابهين طلاب العلم الذين يقصدونه من الآفاق البعيدة كالشافعي .. وكانت الحياة الاقتصادية مستقرة على ماوصلت إليه في نهاية العهد الأموي، تعتمد على الزراعة في المقام الأول ..

أما الحياة السياسية فقد تولى داود بن علي إمارة المدينة لعدة شهور قتل فيها عدداً من الأمويين الذين لم يخرجوا من المدينة وصادر قصورهم وأموالهم، وتوقف الازدهار العمراني الذي نشط من قبل وبدأت مرحلة تقلص تدريجي وخاصة في حي العقيق الترف.

ثم تعاقب على المدينة ثلاثة أمراء هم زياد بن عبد الله الحارثي ومحمد بن خالد القسري ورياح بن عثمان المري وكان همهم الأول منع تفجر ثورة كان يعد لها محمد بن عبد الله بن الحسن الملقب بالنفس الزكية وأخوه إبراهيم. وكان محمد بن عبد الله هذا يرى أنه أحق بالخلافة فقد بويع سراً أواخر العهد الأموي وكان من المبايعين الخليفتان العباسيان الأولان أبو العباس السفاح وأبو جعفر المنصور. وقد نجحت سياسة أبو العباس في موادعة الأسرة الهاشمية في المدينة وخاصة عبد الله بن الحسن والد محمد و إبراهيم في منع الثورة.

وعندما تولى المنصور الخلافة تغيرت المعاملة واعتمدت على المكر والشدة وقبض على عبد الله بن الحسن وعدد من الهاشميين وسجنوا ثم نقلوا إلى العراق وقتل معظمهم هناك، فانفجرت ثورة محمد بن عبد الله وأتباعه في رجب سنة 145 هـ وخلع الثائرون بيعة العباسيين وبايعوا محمد بن عبد الله بن الحسن خليفة عليهم .. استمرت هذه الثورة قرابة شهرين ونصف ولكن محمد بن عبد الله بن الحسن ورجاله لم يستطيعوا أن يمدوا ثورتهم أبعد من الحرمين، وأرسل المنصور جيشاً بقيادة ابن أخيه عيسى بن موسى لإنهاء الثورة، فأعاد الثائرون حفر الخندق وتحصنوا به ولكن الجيش العباسي اقتحم الخندق وأنهى الثورة وقتل معظم المقاتلين فيها. فكانت الوقعة ثاني ملحمة تمر بها المدينة بعد وقعة الحرة غير أنها اقتصرت في هذه المرة على المقاتلين من رجال الثورة. تبع ذلك اضطراب آخر نشب أواخر شهر ذي الحجة بسبب تعديات بعض الجنود الذين قدموا مع الجيش العباسي، قام به مجموعة من موالي المدينة السود انتقموا فيه من الجنود وأخرجوا أمير المدينة عبد الله بن الربيع الحارثي، واستطاع بعض العقلاء من أهل المدينة في مقدمتهم أبو بكر بن أبي سبرة ـ وكان مسجوناً لتأييده ثورة محمد النفس الزكية ـ أن يخمدوا الثورة بالتفاوض مع قادتها، وعاد الأمير إلى المدينة ثم عزله الخليفة لعدم كفاءته الإدارية، وعادت المدينة إلى سكينتها وحياتها اليومية المعتادة، الموزعة بين العمل في الزراعة والتجارة وبعض الحرف وحلقات العلم المزدهرة في المسجد النبوي وبيوت العلماء، في مقدمتهم الإمام مالك بن أنس وعبد الملك بن جريج وجعفر بن محمد .. وغيرهم كثير وتوافد طلاب العلم من الآفاق للتتلمذ عليهم مدة من الزمن. وازداد الاعتماد على الزراعة بسبب توقف وصول القمح من مصر وعمت المدينة حياة الطمأنينة بعد أن أطلق المنصور سراح المعتقلين الثائرين جميعهم وعين أميراً طالبياً عليها هو الحسن بن زيد استمرت إمارته خمس سنوات ثم أعقبه عم الخليفة عبد الصمد بن علي.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015