في شوال سنة ثلاث للهجرة خرجت قريش بثلاثة آلاف مقاتل ومائتي فارس للانتقام من المسلمين وبلغ الخبر رسول الله e فاستشار الصحابة فأشار بعضهم باستدراجهم إلى المدينة وضربهم في شوارعها، خاصة وأن أهل المدينة أعرف بشوارعهم، ولهم خبرة بحرب المدن اكتسبوها من الحرب الطويلة بين الأوس والخزرج ومال رسول الله e إلى هذا الرأي ولكن عدداً آخر من الصحابة المتحمسين للجهاد طلبوا مواجهتهم خارج المدينة وألحوا في طلبهم فاستجاب لهم رسول الله e، وخرج بالمسلمين إلى أحد وفي الطريق نكص رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول و ثلاثمائة من أتباعه وعادوا إلى المدينة وتابع المسلمون سيرهم إلى أحد ونزلوا في موقع بين جبل أحد وجبل صغير قربه يسمى جبل عينين، ووضع الرسول e الرماة على جبل عينين وأمرهم أن لا يغادروا مواقعهم حتى يأمرهم بذلك مهما كانت نتيجة المعركة، وصف الباقين في مواجهة المشركين وبدأت المعركة فحاول فرسان المشركين بقيادة خالد بن الوليد اختراق صفوف المسلمين من ميسرتهم فصدهم الرماة، وهجم المشاة والتحم الفريقان وقتل عشرة من حملة لواء المشركين، وسقط لواؤهم ودب الذعر في صفوفهم وبدؤوا في الهرب، وتبعهم بعض المسلمين فاضطربت صفوفهم، ورأى الرماة هرب المشركين فظنوا أن المعركة حسمت لصالح المسلمين فترك معظمهم مواقعهم، ونزلوا يتعقبون المشركين ويجمعون الغنائم ولم يلتفتوا لتحذيرات قائدهم، واستغل خالد بن الوليد هذه الحال فالتف بفرسانه من خلف أحد وفاجأ بقية الرماة على الجبل فقتلهم وهاجم المسلمين من خلفهم، وعاد إليه الهاربون من المشركين فتغيرت موازين المعركة، وانسحب رسول الله e بمجموعة من الصحابة الذين التفوا حوله إلى قسم من جبل أحد وحاول المشركون الوصول إليه ففشلوا ويئسوا من تحقيق نتيجة أفضل فأوقفوا القتال وركبوا إبلهم وانسحبوا عائدين إلى مكة متوعدين بوقعة أخرى. وتجمع المسلمون فدفنوا شهداءهم وبلغ عددهم سبعين، فيهم حمزة بن عبدالمطلب عم رسول الله e، ـ وقد مثلت بجثته هند بنت عتبة ـ ومصعب بن عمير وآخرون.
ما بعد المعركة
رأى رسول الله e أن نتيجة معركة أحد قد تجعل أعداء المسلمين من اليهود والمشركين والمنافقين يستهينون بهم فقرر إظهار قوة المسلمين وبأسهم، فأمر في صبيحة اليوم الثاني كل من حضر المعركة أن يخرج معه لمطاردة المشركين، فخرجوا وكان المشركون بعد أن ساروا شوطاً فرحين بما حققوه في المعركة قد توقفوا، وندموا لأنهم لم يهاجموا المدينة ويستأصلوا المسلمين، وهموا بالعودة. فلما بلغهم خروج المسلمين لمطاردتهم خافوا أن يكون المسلمون قد ازداد عددهم فيبطشوا بهم، فأسرعوا السير إلى مكة، ومضى المسلمون حتى وصلوا حمراء الأسد، وبلغهم فرار المشركين، فمكثوا ثلاثة أيام، ثم عادوا إلى المدينة وهم أقوى عزيمة على الجهاد.
استمرت الحياة في المدينة المنورة في خطين متوازيين:
الخط الأول: خط الدعوة وتعميق الإيمان في قلوب المسلمين، وكان يتمثل في تجمع الصحابة حول رسول الله e يأخذون منه شرائع دينهم ويتعلمون السلوك الإسلامي ويدعون من لم يسلم بعد من أهل المدينة وما حولها إلى الإسلام.
الخط الثاني: مواجهة خصوم الإسلام والمسلمين في غزوات وسرايا يجاهد فيها المسلمون ما وسعهم الجهاد سواء في ضواحي المدينة أو في مناطق بعيدة تتجمع فيها قبائل تهدد المسلمين، ونتيجة لذلك تخلصت المدينة من ثاني قبيلة يهودية هم بنو النضير، الذين نقضوا العهد مع المسلمين وحاولوا اغتيال رسول الله e فحاصرهم المسلمون ثم أجلوهم إلى بلاد الشام. وخرجت غزوات وسرايا إلى مناطق في الحجاز ونجد ودومة الجندل فضربت بعض القبائل التي كانت تعد للهجوم على المسلمين، وعلمت بعضها بتوجه المسلمين إليها فهربت قبل وصولهم. وفي السنة الخامسة شهدت المدينة أكبر حدث عسكري في هذا العهد هو غزوة الخندق.
ـ[المستعار]ــــــــ[22 - 07 - 2002, 11:09 م]ـ
غزوة الخندق
¥