وبالبحث وجدنا أن هذه القصة بهذه الأسئلة العديدة أوردها الإمام على بن حسان الدين عبد الملك بن قاضي خان الشهير بالمتقي الهندي البرهان فوري المتوفي سنة خمس وسبعين وتسعمائة في كتابه "كنز العمال" (127/ 16،129) ح (44154): مع قصة السند.
قال الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى:
وجدت بخط الشيخ شمس الدين بن القماح في مجموع له عن أبي العباس المستغفري قال قصدت مصر أريد طلب العلم من الإمام أبي حامد المصري والتمست منه حديث خالد بن الوليد، فأمرني بصوم سنة (!)، ثم عاودته في ذلك، فأخبرني بإسناده عن مشايخه إلى خالد بن الوليد قال جاء رجل إلى النبي # فقال إني سائلك عمَّا في الدنيا والآخرة، فقال له سل عما بدا لك، قال يا نبي الله أحب أن أكون أعلم الناس ... " الحديث.
ثانيا "التحقيق"
هذه القصة واهية والحديث الذي جاءت به منكر جدًا وهو مرويّ وجادة وسنبين للقارئ الكريم معنى هذا المصطلح "الوِجادة".
فهو طريقة من طرق تحمل الحديث ومجامعها ثمانية أقسام، قال الإمام النووي في "التقريب" (60/ 2 تدريب):
"القسم الثامن: الوِجادَةُ، وهي مصدر لِوَجَدَ مُوَلَّدٌ غير مسموع من العرب وهي أن يقف على أحاديث بخط راويها لا يرويها الواحد عنه بسماع ولا إجازة فله أن يقول: وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتابه بخطه حدثنا فلان ويسوق الإسناد والمتن، أو قرأت بخط فلان عن فلان، هذا الذي استمر عليه العمل قديما وحديثا وهو من باب المنقطع" أه.
قلت:
1 من هذا يتبين أن الرواية بالوِجادة حكمها: أنها من باب المنقطع.
2 السند الذي رواه السيوطي وجادة من ابن القماح إلى خالد بن الوليد يدل على أنه سند تالف.
3 قوله وجدت بخط ابن القماح عن الحافظ المستغفري يدل على أن الحديث مردود بالسقط في الإسناد وهو سقط ليس بالهين لوجود إعضال بين ابن القماح هذا والحافظ المستغفري المتوفي سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة.
والمعضل اصطلاحا: "ما سقط من إسناده اثنان أو أكثر على التوالي".
4 وأبو حامد المصري مجهول.
5 رحلة الإمام المستغفري إلى مصر لطلب العلم من أبي حامد المصري وأنه التمس هذا الحديث من أبي حامد المصري فأمره بصوم سنة فلينظر القارئ الكريم إلى هذه البدعة "طلب حديث بصوم سنة".
6 وإن تعجب فعجب قول المستغفري التمست من أبي حامد حديث خالد بن الوليد فأمرني بصوم سنة ثم عاودته في ذلك فأخبرني بإسناده من مشايخه إلى خالد بن الوليد.
من هذا يتبين أن سائر الإسناد مجهول فلا يعرف أبو حامد المصري هذا ولا من هم رجاله إلى خالد بن الوليد.
7 لذلك قال الإمام الكتاني في "الرسالة المستطرقة" ص (39)!
أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر (المستغفري) نسبة إلى المستغفر وهو جده المذكور يروي الموضوعات من غير تبيين.
8 قلت: وهذا الحديث ظاهرة عليه علامات الوضع في السند من قصة مكذوبة منكرة وفي المتن الملفق من أحاديث كثيرة فيها الثابت والواهي.
9 قولهم في نهاية الحديث رواه الإمام أحمد عن خالد بن الوليد.
أ وهذا افتراء على الإمام أحمد رحمه الله وانظر مسند أحمد (88/ 4) لم يوجد به على سعته إلا ثلاثة أحاديث لخالد بن الوليد ح (16858)، (16859)، (16860) الأول والثاني حول حكم أكل لحم الضب والثالث "من عادى عمارا ... ".
ب ويظهر هذا الافتراء أيضا من البحث في الكتب الستة في مسند خالد بن الوليد الذي أورده الإمام المزي في "تحفة الأشراف" (111/ 3) رقم (123) حيث لم يوجد في الكتب الستة من سند خالد إلا سبعة أحاديث ح (3504)، (3505)، (3056)، (3507)، (3508)، (3509)، (3510) ولم يوجد بها هذا الحديث المنكر بما يحمله من قصص منكرة.
ج وكذلك بالبحث في مسند أبي يعلى من حديث خالد بن الوليد (138/ 13 149) فلم نجد إلا عشرة أحاديث من ح (7183) حتى (7192) ولا يوجد بها هذا الحديث.
د وكذلك بالبحث في معجم "الطبراني الكبير" من حديث خالد بن الوليد (103/ 4 115) فوجدنا به ثلاثة وأربعين حديثا من ح (3798) حتى ح (3840) ولا يوجد بها هذا الحديث.
ه ثم تتبعنا باقي السنن والمسانيد فلم نجد قصة الأعرابي الذي جاء يسأل الرسول # أربعة وعشرين سؤالا، ولا قصة طلب حديث بصوم سنة.
10 بهذا يتبيَّن أن هذا الحديث بما فيه من قصة سنده، وبما فيه من قصة الأعرابي الذي يسأل والرسول # يجيب، لا يصح.
¥