وسرُّ الاهتمام بالوقت أنَّ له عدَّة خصائص منها: سرعة انقضائه وأنَّ ما مضى منه لا يفوت وأنَّ الوقت أثمن ما لدى الإنسان، فالمسلم إذاً لا يعرف الفراغ؛ لأنَّ الوقت أغلى من الذهب فهو الحياة بكاملها، والمسلم حين ينتهي من شغل معيَّن يشرع في شغل آخر، ويذبح الفراغ بسكين العمل، ولهذا كان سلفنا الصالح يولون الوقت عناية خاصَّة، فهاهو الحسن البصري ـ عليه رحمة الله ـ يقول: (لقد أدركت أقواماً كانوا أشدَّ حرصاً على أوقاتهم من حرصكم على دراهمكم ودنانيركم) وَوُصف رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ بأنَّه لا فراغ لديه في وقته كما تقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ: (ولا رئي قط فارغاً في بيته) صفة الصفوة (1/ 200).
ولكنَّ الوقت الآن وللأسف صار عبئاً على كثير من الناس، وصار كثير منهم يقول لصاحبه: (تعال نضيع وقتنا) أو أن يقول بعضهم: (صارت أوقاتنا روتينا قاتلا)، إلى غير ذلك من الكلمات التي تدل على رخص الوقت عند هؤلاء، الذين لم يعرفوا قدر أوقاتهم، ولم يعلموا أنَّه: من علامة المقت إضاعة الوقت، ورحم الله الإمام ابن هبيرة حين قال:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه ... وأراه أسهل ما عليك يضيع
لقد أصيب كثير من أبناء وبنات المسلمين بنوعية عجيبة من الانتحار الجماعي عن طريق هدر الأوقات في الأمور الفارغة، ما أدَّى بهم الحال إلى أن ينشغلوا بالتوافه أو الأمور المحرمة، (وإذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل) كما قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ.
وهنالك بعض من كبر بهم السن وشاخوا ليس لهم وقت إلا بتذكر الهم والغم، مع أنَّ بإمكانهم أن يستغلوا أوقاتهم بما يفيد وينفع، بعمل الخير، وإرشاد الناس ... بنقل تجاربهم التي عاشوها للأجيال القادمة ... بأن يكتبوا ويدوِّنوا ذكرياتهم في مذكِّرات يتناقلها الورثة ويستفيدون منها ..
المهم أن يفعلوا الشيء الذي يجدد في أنفسهم عوامل القوة والعزيمة، ويذيبوا عوامل الوهن والضعف، فما يقتل الإنسان أحياناً إلاَّ طريقة تفكيره، ولهذا قيل: حياتك من صنع أفكارك!
وما أقبح التفريطَ في زمن الصبا ... فكيف به والشيب للرأس شاعل
ترحّل من الدنيا بزاد من التقى ... فعمرك أيام وهن قلائل
فالفطن إذاً يستغل وقته ويعلم حقيقة ما خلق له، والخاسر من يتهاون به ويشغل نفسه بالحرام والباطل، وقد نقل عن أحد العلماء أنه قال: (من أمضى يوما من عمره في غير حق قضاه أو فرض أدَّاه أو مجد أثَّله أو حمد حصَّله أو خير أسَّسه أو علم اقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه!).
وقال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: (ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يومٍ غرَبَت فيه شمسُهُ نقص من أجلي ولم يزدَدْ فيه عملي).
• وفي الختام:
فإنَّ من نظَّم وقته وأحسن استغلال ساعاته وأوقاته، سيشعر بالسعادة التي هي أمل كل فرد في هذه الحياة، وسيكون الحزن والاكتئاب بعيداً عن مرمى حياته، فهو مشغول بوقته، مشغول بأداء مهمَّاته، وسيدرك أنَّه حين أحسن التعامل مع مرور عقارب الساعة في تنظيم وقته عدَّة فوائد، ومنها: إرضاء الله عز وجل، الرضا عن النفس وقلَّة تأنيب الضمير، ورؤية ثمرة عمله، واجتنابه للأخطاء التي لو أنَّه لم ينظِّم وقته لكان قد وقع بها، وسيلحظ النتائج الجميلة التي وصل بها من خلال تنظيمه لوقته وحسن استغلاله.
والآن أرجوك قم واركع ركعتين لله، وادع الله أن يفتح عليك من فضله وبركاته، ثم ائت بورقة وحاول من خلالها أن تنظِّم أفكارك ومهماتك، واجعل لك نصيباً من قراءة للقرآن، وذكر للرحمن، وصلة للأرحام، وتواصل مع أصحاب الخير، وكفَّ نفسك عن الشر وأهله، واجعل في حياتك شيئاً جميلاً مرضياً عند ربك حين تلقاه ويسألك وهو أعلم بحالك فيرى لديك عملاً خيراً قمت به، فكان خير ذخر لك بعد مماتك، وأنا أدعو الله لك بالتوفيق والسداد، والبرد والرشاد، والله يتولاك ويرعاك.
ـ[السلفية النجدية]ــــــــ[25 - Mar-2009, صباحاً 03:27]ـ
سبحان الله!
في الأمس فتحت موضوعك هذا من موقع صيد الفوائد، وأردت قراءته؛ لأدرك أهمية استغلال الوقت بما هو مفيد، وكذا أحسست أن الموضوع قيم للغاية؛ لكن غلبني النعاس، فلم أعد أستوعب ما قيل، ثم أغلقت الصفحة وذهبت، ونسيت الموضوع بأكمله ..
وإذا بك الآن تضعه في موقع الألوكة، فتعجبت قائلة: (وكأن بربي أراد أن يذكرني به؛ لأقرأه بتؤدة وتهمل؛ لأنتفع به أيما انتفاع)! وحقا انتفعت ..
سطور وضّاءة، تشع بنور الهدى كما توقعتها ..
جزاك الله خيرا أخي الفاضل ونفع بك ..
ـ[سعد الحسيني]ــــــــ[25 - Mar-2009, مساء 02:48]ـ
كلام رائع وجميل سلمت اناملك أخي الحبيب , ووفقك الله إلى كل خير ..
ـ[قلبـ مملكه ـي وربي يملكه]ــــــــ[25 - Mar-2009, مساء 10:12]ـ
بارك الله فيك ونفع بك .. وجعلنا الله واياك من الذين استغلوا اوقاتهم بما يعود إليهم بالنفع
ـ[خباب الحمد]ــــــــ[13 - صلى الله عليه وسلمpr-2009, مساء 11:32]ـ
السلفية النجدية
بارك الله في مرورك
¥