(بالأمور المهمَّة) عمَّا هو أهم منها من أصول وجواهر، أو تضييع الساعات الكثيرة دون القيام بعمل مفيد، أو بالجلوس الطويل على التلفاز مديراً لقنواته الكثيرة، دون أن يضبط وقته في ذلك، أو قعوده على شاشة الإنترنت مقلِّباً لصفحاته وقارئاً للأخبار غير مرَّة بدعوى الاهتمام بالأوضاع وأحوال المسلمين، وهو لا يدري أنَّه يضيع وقته دون أن يشعر، وليته بعد هذا أو ذاك قدَّم لأمَّته خدمة يفيدها به بدلاً من مجرد النقد أو كثرة الثرثرة والكلام الذي لا يفيد!
• قم ... واستغل وقتك بالمفيد:
لقد روى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (اغتنم خمساً قبل خمس، وذكر منها: حياتك قبل موتك، وفراغك قبل شغلك) أخرجه الإمام أحمد، والبيهقي برقم: (498)، وحسَّنه العراقي في تخريج الإحياء: (5/ 204) وقال المنذري في الترغيب والترهيب: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما: (4/ 203) وصحَّحه الألباني كما في صحيح الجامع برقم: (1077).
وقال الإمام الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: (يا ابن آدم إنَّما أنت أيام إذا ذهب يومك ذهب بعضك).
وبناء على ذلك فإنَّنا نستطيع أن نستغل وقتنا بقراءة آية، ومذاكرة حديث، واستغفار، وتسبيح، وتهليل، وصلاة، ودعوة إلى الله، وقراءة، وتعليم وتعلم، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، فسنشعر حينها بطعم البركة في أوقاتنا.
باستغلال أوقاتنا نستطيع أن نحل مشاكل البطالة، بخدمة الناس، والسعي إلى طلب الرزق ولو باليسير، والمشاركة في حل هموم المساكين والفقراء مع الجمعيات الخيرية.
باستغلال أوقاتنا نستطيع أن نستمع إلى دروس علمية، ومحاضرات شرعيَّة، عبر مسجِّل السيارة أثناء تنقلاتنا بدلاً من التفكير العشوائي والفوضوي.
باستغلال أوقاتنا نحاول أن نكون أشدَّ إصراراً على عدم تضييع ثانية من الإجازة الصيفية، فليست هي عطلة كما يسميها الكسالى؛ فلا شيء في دين الإسلام اسمه عطلة وإنَّما راحة، والراحة تكون عبادة كذلك حين تكون النية للتقوي على طاعة الله.
باستغلال أوقاتنا نبتعد عن الروح الفوضوية ونشعر بأنَّنا منظمون، وحينها لا نشعر بوقت ضائع، ولا بعمل فائت.
باستغلال أوقاتنا تحاول المرأة وهي تطبخ، أو تنظف بيتها أن تستمع لشريط قرآن أو دروس أو محاضرات، أو تلهج بالذكر والاستغفار.
باستغلال أوقاتنا نستطيع أن نتفكر في مخلوقات الله، أو نفكِّر تفكيراً إيجابيَّاً في التخطيط لأعمالنا، فكم من فكرة خطرت في الوقت، ينتفع بها المرء إن طبَّقها فيما بعد انتفاعاً عجيباً.
باستغلال أوقاتنا نفيد ونستفيد، ننفع وننتفع، نحسن إلى خلق الله، نغيث ملهوفاً، نصلي على جنازة، نشيعها إلى قبرها حتى تدفن، نبتسم في وجوه المسلمين، نتصدق ولو بشق تمرة، نتكلم الكلمة الطيبة، نسعى إلى الخير، نكفل اليتيم، نبر الوالدين، نصل الأرحام ..
وخذ طائفة من أحاديث المصطفى ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ حيث قال: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) قال الراوي للحديث: وأحسبه قال: وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر) أو القائم الليل الصائم النهار) أخرجه البخاري (5353) ومسلم (2982) وحسبك بذلك أجراً!
ومن قوله ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين. وأشار بإصبعيه السبَّابة والوسطى) أخرجه البخاري برقم: (5304)، حتَّى أنَّ الإمام ابن بطَّال ـ رحمه الله ـ قال معلِّقاً على هذا الحديث: (حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به؛ ليكون رفيق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجنَّة) فتح الباري لابن حجر: (10/ 436).
أليس في كل ما ذكرنا استغلال للوقت، وكسر لطوق الـ (روتين) والنظام الرتيب، وتجديد في الحياة، ولهذا نجد المنهج القسط والوسط حين نراه ـ تعالى ـ يقول لنا: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) سورة القصص: (77).
¥