" ... رجل فيما بلغني إلى أخيه الشيخ شرف الدين وهو في مسكنه بالقاهرة فقال له إن جماعة بجامع مصر قد تعصبوا على الشيخ وتفردوا به وضربوه

فقال حسبنا الله ونعم الوكيل وكان بعض أصحاب الشيخ جالسا عند شرف الدين قال فقمت من عنده وجئت إلى مصر فوجدت خلقا كثيرا من الحسينية وغيرها رجالا وفرسانا يسألون عن الشيخ فجئت فوجدته بمسجد الفخر كاتب المماليك على البحر واجتمع عنده جماعة وتتابع الناس وقال له بعضهم يا سيدي قد جاء خلق من الحسينية ولو أمرتهم أن يهدموا مصر كلها لفعلوا.

فقال لهم الشيخ لأي شيء قال لأجلك

فقال لهم هذا ما يحق، فقالوا نحن نذهب إلى بيوت هؤلاء الذين آذوك فنقتلهم ونخرب دورهم فإنهم شوشوا على الخلق وأثاروا هذه الفتنة على الناس، فقال لهم هذا ما يحل قالوا فهذا الذي قد فعلوه معك يحل هذا شيء لا نصبر عليه ولا بد أن نروح إليهم ونقاتلهم على ما فعلوا

والشيخ ينهاهم ويزجرهم فلما أكثروا في القول قال لهم إما أن يكون الحق لي أو لكم أو لله فإن كان الحق لي فهم في حل منه وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني ولا تستفتوني فافعلوا ما شئتم وإن كان الحق لله فالله يأخذ حقه إن شاء كما يشاء

قالوا فهذا الذي فعلوه معك هو حلال لهم

قال هذا الذي فعلوه قد يكونون مثابين عليه مأجورين فيه

قالوا فتكون أنت على الباطل وهم على الحق فإذا كنت تقول إنهم مأجورين فاسمع منهم ووافقهم على قولهم

فقال لهم ما الأمر كما تزعمون فإنهم قد يكونون مجتهدين مخطئين ففعلوا ذلك باجتهادهم والمجتهد المخطىء له أجر" العقود الدرية ص 302)

- أقول: الله أكبر!! هكذا علماء الآخرة لا ينتصرون لأنفسهم!

- ومن كلامه رحمه الله فيمن آذوه، في رسالة كتبها لأصحابه:

" فلا أحب أن ينتصر من أحد بسبب كذبه علي أو ظلمه وعدوانه فإني قد أحللت كل مسلم وأنا أحب الخير لكل المسلمين وأريد بكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي وأما ما يتعلق بحقوق الله فإن تابوا تاب الله عليهم وإلا فحكم الله نافذ فيهم فلو كان الرجل مشكورا على سوء عمله لكنت أشكر كل من كان سببا في هذه القضية لما يترتب عليه من خير الدنيا والآخرة لكن الله هو المشكور على حسن نعمه وآلائه وأياديه التي لا يقضى للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له

وأهل القصد الصالح يشكرون على قصدهم وأهل العمل الصالح يشكرون على عملهم وأهل السيئات نسأل الله أن يتوب عليهم " العقود الدرية ص 281)

- ومن مواقفه لما مات أحد أعدائه:

قال ابن القيم:

"وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه.

وما رأيته يدعو على أحد منهم قط وكان يدعو لهم وجئت يوما مبشرا له بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوة وأذى له فنهرني وتنكر لي واسترجع ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم وقال: إني لكم مكانه ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه ونحو هذا من الكلام فسروا به ودعوا له وعظموا هذه الحال منه فرحمه الله ورضى عنه" مدارج السالكين (ج2 - ص 345)

-قلت:اقرأ هذه المواقف مرتين وثلاثا، فإن فيها من العظة والعبرة ما لا يمكن التعبير عنه إلا في كتب مطولة. والله المستعان!

ـ[عبد الله الحمراني]ــــــــ[05 - صلى الله عليه وسلمug-2009, مساء 12:25]ـ

/// بارك الله فيك ونفع بك.

/// كلمات رائقة، واختيارات منك موفقة.

ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[05 - صلى الله عليه وسلمug-2009, مساء 05:40]ـ

الاخ على الروبي جزاك الله كل خير وبارك فيك على هذه النبذة الرائعة من موقف شيخ الاسلام مع خصومة ومخالفية.

ويطرى عليه قول تلاميذه ابن القيم عندما يذكر انه يتمنى لو يقدر ان يعامل اصحابه واخوانه كما يعامل ابن تيمية خصومه!!

ـ[أبوالطيب الروبي]ــــــــ[06 - صلى الله عليه وسلمug-2009, صباحاً 11:09]ـ

بارك الله فيكم جميعا، ونفعنا بما نقرأ وبما نكتب!

ـ[عدنان البخاري]ــــــــ[06 - صلى الله عليه وسلمug-2009, مساء 12:48]ـ

/// موضوع مشابهٌ لهذا الموضوع:

http://majles.alukah.net/showthread.php?t=27185

ـ[ابو حمدان]ــــــــ[11 - صلى الله عليه وسلمug-2009, صباحاً 01:41]ـ

شيخ الاسلام رحمه الله.

ـ[أم الفضل]ــــــــ[23 - صلى الله عليه وسلمpr-2010, مساء 04:18]ـ

جزاك الله خيرا .. ورحم شيخ الإسلام رحمة واسعة

ترك لنا العلماء بهذا أدبا وخلقا وتربية قبل أن يتركوا علما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015