اكتفاء (إسرائيل) بالصمت أو بالتصريحات الفضفاضة إزاء ما جرى كان نابعاً من حرص إسرائيلي على عدم التخريب على دحلان كما قال وزير القضاء الإسرائيلي يوسيف لبيد، الذي قال ((نحن نتطلع إلى أن يتولى شخص مثل دحلان قيادة السلطة في قطاع غزة ويكون قادراً على ضرب حماس والجهاد، لكن يتوجب علينا ألا نقوم بمعانقة دحلان عناق الدببة، حتى لا تظهر حركته كما لو أنها كانت فيلماً إسرائيلياً))، على حد قول لبيد. رئيس الوزراء الصهيوني أرييل شارون علّق بشكل عام على ما يجري أمام وزرائه منوهاً إلى ما يعتبره ((إنجازاً كبيراً)) حيث قال ((هناك البعض حتى من بين الوزراء الذين يجلسون حول هذه الطاولة من شكك في صوابية الخطوة التي أقدمت عليها عندما أعلنت أنه يتوجب تغيير قيادة السلطة الفلسطينية وباستبدالها بقيادة تكون قادرة ومستعدة للتجاوب مع مصالحنا الأمنية، وهاهم بعض الفلسطينيين يتوصلون إلى نفس القناعة التي حاولت القوة الإسرائيلية تجسيدها على أرض الواقع)).
لكن بخلاف ما كان يتمناه فلم يصمت الإسرائيليون طويلاً كعادتهم، وفاجأوه بالحديث عن حقيقة الاتصالات التي ربطته بهم عندما كان يشرع في تنفيذ خطته الهادفة للسيطرة على حركة ((فتح))، ومن ثم على السلطة الفلسطينية بشكل كلي. فقد كشف مدير مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي دوف فايسغلاس أن اتصالات حثيثة جرت بين دحلان واثنين من أكثر قادة الأجهزة الأمنية الصهيونية تطرفاً في قمع الفلسطينيين، ومن ناحية ثانية يُعتبران من أكثر المراهنين على دور دحلان لتحقيق الأهداف الإسرائيلية. فقد تبين أن دحلان يجري اتصالات مع كل من آفي ديختر، رئيس جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلية ((الشاباك))، وهو الجهاز الذي يتولى بشكل عملي مهمة قمع الشعب الفلسطيني، والتصدي لمقاومته الباسلة، فضلاً عن أن ديختر –وبخلاف بقية قادة الأجهزة الأمنية- مازال يدعي أن القوة العارية وحدها القادرة على وقف المقاومة. أما الثاني فهو الجنرال عاموس جلعاد، مسؤول قسم التخيط السياسي في وزارة الحرب الصهيونية، وهو من كشف زميل سابق له بأنه قام بـ ((فبركة)) تقييمات استخبارية من أجل إقناع الحكومة الإسرائيلية بأن رئيس السلطة الفلسطينية ليس أهلاً لأن يكون شريكاً للدولة العبرية في أي تسوية سياسية، إلى دعوة جلعاد إلى قتل عرفات. فهل كانت مجرد مصادفة أن يختار دحلان الاتصال بهذين المتطرفين من بين قادة الاجهزة الأمنية؟
رهانات إسرائيلية علنية على ما جرى
الذي كان بادياً للعيان منذ أن انطلقت حركة التمرد التي أعلن دحلان تأييدها لها، هو استغلال (إسرائيل) لها في كل المجالات، على الشكل التالي:
1 - حرص الناطقون باسم الحكومة الإسرائيلية على استغلال عمليات حرق المؤسسات العامة واختطاف المسؤولين، وهي عمليات قام بها من يتسترون بدعوات الإصلاح في الساحة الفلسطينية في شن حملة إعلامية دعائية، بالقول أن مثل هذه التصرفات تثبت أن الفلسطينيين لا يستحقون الحصول على دولة، وكيان سيادي، كما قال ذلك صراحة وزير الدولة الإسرائيلي عوزي لانداو.
2 - تشتيت جهد المقاومة: التقييمات التي أعدتها المؤسسات الاستخبارية الإسرائيلية في مطلع الأحداث أكدت أن هذه الأحداث ستفيد الدولة العبرية، إذ إنها ستعمل على تشتيت جهود الفلسطينيين وبالذات حركات المقاومة، حيث إن هذه الأحداث ستشد الأذرع العسكرية في هذه المرحلة أو تلك للانخراط فيها، وترك المواجهة مع (إسرائيل). وسائل الإعلام الإسرائيلية حرصت على ترديد البيانات التي يطلقها الفرقاء في فتح من أجل تشجيع مواصلة الاحتكاك. وتطوعت وسائل الإعلام الإسرائيلية لإجراء عشرات المقابلات مع ممثلي الفريقين لتحقيق نفس الغرض دون أن يعي أي منهم خطورة ما يقدمون عليه. في الوقت نفسه فإن انخراط عناصر الأجهزة العسكرية في الأحداث يسهّل عمليات رصدهم وإلقاء القبض عليهم والمسّ بهم، بسبب ميلهم للتحرك بشكل أكبر وعلني فيتم رصد تحركاتهم من قبل العملاء والمنظومة الاستخبارية الإسرائيلية التي تعمل على مدار الساعة.
3 - المسّ بصدقية حركات المقاومة: أكد عدد من المعلقين الأمنيين والمختصين بالشؤون الفلسطينية من الصحافيين الإسرائيليين أن الأحداث عملت على المسّ بصدقية الحركات الفلسطينية في أوساط الرأي العام الفلسطيني. وأشار روني دانئيل مراسل القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي إلى أن القيادات العسكرية الإسرائيلية تبدي ارتياحها لأن انشغال جهات تدعي انتسابها إلى أذرع عسكرية يؤدي في النهاية إلى المسّ بصدقية هذه الأذرع، وبالذات ((كتائب شهداء الأقصى))، حيث نشط معسكر دحلان وكذلك موسى عرفات في تجنيد الكثير من منتسبي الأجهزة الأمنية الذين ادعوا أنهم أعضاء في ((كتائب شهداء الأقصى)).
4 - فرض جدول أولويات جديد للشعب الفلسطيني: وهناك نقطة أبدى الإسرائيليون ارتياحهم لها، وهي حقيقة أن الأحداث الأخيرة فرضت جدول أولويات مغايراً للشعب الفلسطيني. فبدلاً من التركيز على مقاومة الاحتلال والتجند لمواجهته تمّ إلهاء الناس بالحديث عن ((الإصلاح)) المزعوم.
هناك بعض المراقبين من قال إن التدخل الإسرائيلي في الصراع داخل فتح تعدى مرحلة الرهان إلى مرحلة التدخل العملي والتنسيق مع معسكر دحلان. ومنهم من قال إن تعمد (إسرائيل) تشديد الخناق على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بالذات أثناء بدء عملية التمرد، كان الهدف منه منح المناخ المناسب لحركة دحلان بالنجاح.
لكن على كل الأحوال فقد أقرت (إسرائيل) بفشل مخطط دحلان وانهياره بشكل كبير. وقد ادعى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي أهارون زئيفي فركش، أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست أن حركة دحلان فشلت، لأنها بدات مبكرة ولأنه لم يستخدم كل قوته في المواجهة. لكن ما لم يقله فركش هو أن الشعب الفلسطيني هو الذي أحبط هذه الحركة، لانه يعي أن الذين يطالبون بالإصلاح ومحاربة الفساد ليسوا أقل فساداً من خصومهم.
وليس ادل علي ذلك من الحرب التي يشنها علي الاسلاميين دون فائدة
خاب فأله وظنه .. دحلان الي بوار .. اليس كذلك؟؟!!
¥