ـ[فواز أبوخالد]ــــــــ[24 - عز وجلec-2010, مساء 07:49]ـ
" توبة مؤقتة "
دخل منزله بعد أن أحضر معه أبناءه الصغار من مدرستهم , استقبلتهم
أمهم هاشة باشة , ألقوا بحقائبهم عند باب الصالة , تسابقوا أيهم يحصل
على الريموت , التقطه أوسطهم , هجم عليه شقيقاه , تعاركوا , زجرهم
أبوهم , لم يلقوا له بالا , انتزعه أكبرهم , أدار الجهاز على قناته المفضلة ,
تعالت الإحتجاجات , جلس بعيدا عنهم , إشتركت أصغر العائلة في
النزاع , لم يستجب لها شقيقها , هرعت إلى أبيها , علا صوتها بالبكاء ,
ألقت بنفسها على صدره , احتضنها , قبلها , قام معها , أخذ الريموت وأعطاه
لها , أدارت الجهاز على الرسوم المتحركة , نظرت لأشقائها , بنشوة
النصر , ابتسمت بسخرية , هددهم بألا يمسوها بسوء , صعد لغرفته ,
تبعته زوجته , احتجت على تصرفه , أبدت إمتعاضها منه , اقتنع برأيها ,
اعترف بخطئه , لكنه رفض تغيير الواقع.
تهيأ لتناول وجبة الغداء مع زوجته وأبنائه، رن هاتفه
المحمول، من الطرف الآخر، أتاه صوت فيه غلظة:
الأستاذ محمد؟ قال: نعم،
معك الشرطة، ارتعب، أجابه بارتباك:
آمر طال عمرك، قال بنبرة حادة: احضر لنا حالا،
سأله: ما الأمر؟ قال: إذا حضرت ستعرف.
تساءل ماذا يريدون مني؟ دارت الأفكار برأسه، نشف ريقه، انخطف
لونه، تذكر محادثته الهاتفية مع زميله ونقده لبعض كبار المسئولين ,
لا بارك الله فيه , شكا إليّ ظروفه الاقتصادية حتى أوقعني في
المحظور, لكن لا , هذا من اختصاص المباحث وليس الشرطة , إذا يمكن
تلك المرأة التي اتصلت على جوالي بالغلط , يا الله , تصرفت كأني مراهق
عندما رجعت واتصلت بها , لعل زوجها هو المشتكي , لكنها هي التي
أعطتني الضوء الأخضر , قالت أنها أحبتني , وطلبت مني بطاقات الاتصال
مسبقة الدفع , يارب سترك , بهذا السن وبوضعي الاجتماعي يقبض عليّ
في قضية معاكسه , فضيحة وأي فضيحة , هل أذهب إلى ابن عمي
ليتوسط لي , بأي وجه أقابله , يا الله.
ارتدى ملابسه على عجل , اتجه إلى المطبخ , عب من الماء حتى ارتوى ,
تبعته زوجته , سألته: إلى أين؟ لم يجبها , عادت وقد دب الخوف في
أوصالها , تركها تصطلي بنار الانتظار , لم تذق بعده طعاما , أعطت
صغارها وجبتهم , تكورت في الزاوية , تدفع التشاؤم عنها.
انطلق بسيارته , اتجه إلى مركز الشرطة , أكلته الوساوس ,
بماذا أعتذر؟ مر بقربه أحد جيرانه , رفع يده مسلما عليه , لم يشاهده ,
كأن على عينيه غشاوة , أظلمت الدنيا في عينيه , استعرض شريط
حياته , تذكر معالم منها , طاف به بعض أعماله , توقف أمامها , ندم
على كثير منها , يارب استر عليّ , ربي إني تبت إليك , أوقف سيارته ,
دخل إلى مركز الشرطة , تجاوز البوابة , اتجه إلى برادة المياه ,
شرب منها , العرق ينضح من جسده , أرهقه التفكير, الإعياء بدا
عليه واضحا , أرشده مكتب الاستقبال لضابط القضية.
دخل عليه , رأى عنده شخصا معصوب الرأس , شاحب الوجه ,
تظهر آثار الدماء من تحت الشاش الأبيض , تفاجأ بابنه يقف في
الزاوية, قال له الضابط: ابنك هذا ضرب معلمه , ابتسم ,
تنفس الصعداء , أشرق وجهه , استغربوا أمره , قال: الحمد لله ,
القضية بسيطة , ابني مؤدب , مؤكد أن المدرس أخطأ عليه.
............ فواز أبوخالد.