ـ[فالح الحجية]ــــــــ[06 - Nov-2010, مساء 11:04]ـ
اسماعيل صبري
شيخ الشعراء
بقلم فالح الحجية الكيلاني
ولد إسماعيل صبري باشا في مصر بمدينة القاهرة في يوم الأحد 16 شباط \1854م, وتلقى الدروس الثانوية في مدارس القاهرة المصرية,
نال شهادة الليسانس في الحقوق من كلية مدينة إكس في فرنسا سنة 1878م, حيث وصلها مع إحدى البعثات الفرنسية, ولما عاد إلى مصر عين قاضيا و تنقل في مناصب القضاء والإدارة حيث شغل وظائف القضائيين لاهليته في حل الخلافات والنزاع بين الناس ,او الخلافات التي كانت بين السكان والأجانب,
عين رئيساً لمحكمة الإسكندرية الأهلية, ثم محافظاً على الإسكندرية في عام\ 1896 ثم وكيلاً لوزارة العدل وعندما بلغ الستين أحيل على التقاعد
فتح بيته ليكون منتدى الشعراء والأدباء.
بدأ صبري نظم الشعر وهو في سن السادسة عشرة بأبيات مدح فيها الخديوي إسماعيل، وکانت أشعاره تنشر في مجلة (روضة المدارس)
کان في بداية أمره مولعاً بأشعار الشعراء القدامي، وکان يعشق شعر البحتري ويحفظ ديوان ابن الفارض فقد کانت أشعاره عبارة عن تقليد أفلح فيه حيناً وأخفق حيناً آخر
اطلع اسماعيل صبري علي الادب الفرنسي فحدا به إلي أن يعيد النظر في أسلوبه الشعري، فأعرض شيئاً فشيئاً عن التقليد والمحاکاة، وأقبل علي أسلوب جديد هو التعبير عن العواطف والأحاسيس الداخلية، والأفکار القومية والوطنية، وتعد موسيقاه الشعرية سلسة ومطربة و اعتبر من رواد الشعر الغنائي في العصر الحديث، حيث تغني المطربون بالکثير من أشعاره وکان أسلوبه الغالب عليه الإقلال من النظم والتفنن فيه وكان شغوفا بمراجعة شعره وتنقيحه
امتاز شعر إسماعيل صبري بسمو الخيال وحب الفن والجمال وخفة الروح ورقة التسبيب, وله مقطوعات قصيرة وقصائد طويلة, وكان شعره رقيقاً ناعماً يحفل بالموسيقى الشجية والذوق الرفيع ,
وكان أستاذ الشعراء وشيخهم في الصناعة الشعرية يمتاز بمراعاة الدقة في الربط بين المعنى والتركيب وبين النفس ويتميز شعره بعاطفته القومية الصادقة, وهذه العاطفة متجلية في غزله الرقيق ونلمس في شعره كذلك مسحة الترف الحضري واللين والجلاءوتعبير جميل بألفاظ سهلة ومؤثرة , وتولد او تحضن معان كثيرة جليلة
.ومن خير ما ترك ملحمتين شعريتين طويلتين،بلغت الأولي قرابة ألف بيت وهي (النونية الكبرى)،کما بلغت الأخري ستمائة بيت هي (الهمزية الکبري) في الکونيات واستعرا ض تاريخ الرسالات السماوية،
كان اجتماعي النفس خفيف الروح ويقدس حرية الرأي, وقال الشعر في المديح والتهاني والتقاريض والهجاء وقال في الوصف والاجتماعات والسياسات والآلهيات والمراثي والأناشيد. فقد كان وطنياً ومثالياً. لم يتقرب الى أي انكليزي قط ماداموا في مصر وكانت له في السياسة مواقف مشرفة مثل وقعة حادثة دنشواي المؤلمة فنظم فيها قصيدة رائعة\ يقول
يا مِصرُ سيري عَلى آثارِهم وَقِفي
تِلك المَواقِفَ في أَسنى مجالِيها
لا يُؤيسَنَّكِ ما قالوا وما كتَبوا
بين البَرِيَّةِ تَضليلاً وَتَمويها
إن يَمنَعوا الناسَ من قَولٍ فما مَنعوا
أن يَنطِقَ الحقُّ بِالشَكوى وَيُبديها
الحقُّ أكبَرُ من أَن تَستَبدَّ بهِ
يدٌ وَإن طالَ في بُطلٍ تماديها
ما ضيَّعَ اللَهُ ظلماً أمَّةً نَهَجَت
إلى المفاخرِ نَهجاً وهوَ هاديها
فَقَلِّدوا الأُمَّةَ الكُبرى وَقد رَكِبَت
مَتنَ الفخارِ وكانَ الجِدُّ حاديها
اعتزل العمل الحكومى عقب أحداث دنشواي إحتجاجاً على ما أنتهت إليه المحاكمة, وعُرف عنه وطنيته الصادقة وصداقته للزعيم مصطفى كامل وقيل انه عندما قام ليلقى قصيدته بتابين مصطفى كامل غلب عليه البكاء وعجز عن إلقاء القصيدة فأخذها منه حافظ إبراهيم فألقاها فنسبت إليه حتى اليوم.
اما نثره فكان أشد تأثيراً في النفس وأثبت أثراً. وقد نظم الكثير من الشعر الغنائي والأدوار والمواويل. و في قصيدته التي بعنوان (راحة في القبر) يصور ما عاناه في أواخر حياته من الآلام, ولكنه كان صابراً على أوجاعه, ولم يتشك ألم المرض الذي كان في صدره.
انتقل إلى رحمة الله تعالى ووافاه الاجل في 21 آذار 1923م, ودفن في مقبرة الإمام الشافعي بالقاهرة
ومن قصيدته النونية الکبري نذكر هذه الابيات حول أسماء
الله الحسني\
جلَّ شأنُ الإلهِ ربِّ البرايا
خالقِ الخلقِ دائمِ الإحسانِ
واحدٌ قاهرٌ سميعٌ بصيرٌ
عالمُ الغيبِ صاحبُ السلطانِ
حَکَمٌ عادلٌ لطيفٌ خبيرٌ
نافذُ الأمرِ واسعُ الغفرانِ
قابضٌ باسطٌ قويٌّ عزيزٌ
مرسِلُ الغيثِ مُقسِطُ الميزانِ
واجدٌ ماجدٌ حليمٌ کريمٌ
ترقبُ الخلقَ عينُه کلَّ آنِ
يعلمُ السرَّ في الصدورِ وأخفي
وإليهِ سيُحشَرُ الثَّقَلانِ
ظاهرٌ باطنٌ قريبٌ مُجيبٌ
نِعمَ مَن فازَ منه بالرضوانِ
واعدُ المتّقينَ جنّاتِ عدنٍ
ولِمن خافَ ربَّه جنّتانِ
مُنعِمٌ وارثٌ عليٌّ عظيمٌ
باعثُ الخلقِ بين إنسٍ وجانِ
کلُّ مَن في الوجودِ للهِ عبدٌ
وإلي اللهِ مرجعُ الإنسانِ
إنّ يوماً تُطْوي السماواتُ فيهِ
کلُّ حيٍّ إلا المهيمنُ فانِ
يومَ تهوي الأفلاکُ من کلِّ برجٍ
آفلاتٍ ويُجمَعُ النِّيرانُ
وتدك الأرضُ إنهياراً ويُقضي
کلُّ أمرٍ ويسجدُ الخافقانِ
-------------------------