ـ[فالح الحجية]ــــــــ[28 - Oct-2010, مساء 08:13]ـ
بناء القصيدة العربية المعاصرة
بقلم فالح الحجية الكيلاني
ان بناء القصيدة العربية المعاصرة من موجبات الحداثة الشعرية وتوحي الى تعزيز وتأسيس وعي التجربة لدى الشاعر والناقد على حد سواء لذا، فان بنية القصيدة العربية المعاصرة تركد لنا بأنها القصيدة التي يبرز فيها الانسان في الشاعر، وموضوعاتها مستمدة مما يخص الشاعر ذاته و ويتضح فيها حالتان: احدهما ظاهرة والآخر ى مضمر، ة ونجد في الحالة الظاهرة البينةالواضحة للشاعر والمتلقي والناقد سيرة لشخصية الشاعر وهي اشبه بقناع شعري، ونستشف من الحالة الثانية غيرالواضحة الدلالة اوالمضمرة كل العلاقات والدلالات التي يتوخاها الشاعر دون ان يصرح بها، والوصول الى ذلك هو الاهم في قراءة هذه القصيدة، كما يتبين ايضا ان بنية القصيدة المعاصرة المتكاملة تتميز بالبناء الدرامي الذي يقوم على التعبير بالشخوص الواضحةاوالمقنعة وبالحدث والصراع، وقد هذب هذا البناء العناصر الغنائية التي لابد من حضورها في بنية هذه القصيدة،بصفتها احد العناصر الشعرية التي لابد منها، فغدت بعيدة المدى عن التقرير والمباشرة والنغمية التي لاتستهدف سوى نفسها، وتسيء الى النمو العضوي ومفهوم التكامل في بنية القصيدة المعاصرة.
والقصيدة المتكاملة احد مظاهر التجديد بل اهمها،وهي متصلة بالتراث تتعامل معه من منظار جدلية الحداثة الشعرية، فتستمد منه شخوصها واقنعتها وبعض احداثها، ولكن الشاعر لايعيد صياغتها، كما جاءت في القصيدة الشعرية القديمة، وانما يستعير حركة او موقفاً او حدثاً مناسباً ويحاول بوساطة الاسقاط الفني ان يوظف ما استعاره توظيفاً معاصراً،ولذلك تبدو القصيدة المتكاملة مركبة يتداخل فيها الماضي والحاضر وتتلاقى فيها الاصالة والمعاصرة، الايجابي والسلبي، والذات والموضوع للتعبير عن تجربة معاصرة.
لذا ان القصيدة المتكاملة تعبير بالتراث عن المعاصرة وبالماضي عن الحاضر والعلاقة بين الشاعر وتراثه علاقة جدلية، يتبادل فيها المشاعر والتراث، التأثر والتأثير وان مفهوم الحداثة غير متناقض مع مفهوم التراث، فالحداثة من التراث، وهي تنبثق منه كانبثاق الغصون من السا ق والسا ق من الجذو ر وكذلك التجديد فالتجديد الشعري ذو ثلاثة اطراف متلازمة متفاعلة هي: المؤثرات الخارجية المساعدة والمكونات التراثية وموهبة الشاعر وان التأثر سمة انسانية مشروعة تشترك فيها الشعوب وهي لاتعني النقل عن الاخر وانما تعني المعرفة والاطلاع وذلك سيفضي الى الابداع والاصالة، حيث كان للمدارس الادبية ولبعض الشعراء الغربيين تأثير في بنية القصيدة العربية الحديثة، فالرومانسية ساهمت في إحياء النزعة الغنائية، والرمزية في تعميق الاحساس الداخلي واستخدام الاسقاط الفني، وعمقت السريالية غنائية اللغة والصورة والموضوع وحرية الكشف والتعبير، وتجلت التأثيرات الكلية العميقة بالانتقال في بنية القصيدة من وحدة البيت الى الشكل العام او العضوي، ومن الذاتية الى الموضوعية، ومن الغنائية الى الدرامية، ضمن المكونات الغربية في بنية القصيدة العربية المعاصرة، اهمها ثلاثة: المكون الاسطوري والمكون التاريخي والمكون الادبي.
كما نرى ان القصيدة استفادت في بنيتها وشكلها العضوي من القصيدة والنقد الاوروبيين اللذين كان لهما دور مباشر في توجيه شعرائنا الى الاستفادة من تراثنا والالتفات الى التراث الغربي بأساطيره واشكاله الفنية للتعبير عن تجارب معاصرة وهذا سبب من اسباب الغموض في القصيدة المتكاملة، وهو في الوقت ذاته سبب من اسباب ثرائها وتعدد اصواتها ودلالاتها. وتطورها نحو الافضل
اما الموضوعات الغنائية، وغنائية التعبير في بنية القصيدة المتكاملة وقد لقِّحت بالعناصر الدرامية لتخاطب الاحساسات والعقل معاً وتمتزج فيها الذات بالموضوع ويتعادل التعبير والاحساس وتغدو اللغة والصورة والايقاع أدوات موظفة جديدةثابتة و ان القصيدة المتكاملة كانت نتيجة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على مجتمعنا منذ منتصف القرن العشرين،فالمجتمع الاستهلاكي افرز موضوعات الموت والاغتراب كما انها ناجمة عن جهود الشعراء المتواصلة منذ بدايات القرن العشرين للنهوض بالقصيدة المعاصرة.
¥