ـ[عبدالحي]ــــــــ[11 - Mar-2008, مساء 03:42]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تفسير سورة الطارق
مكية و آياتها سبع عشرة آية
(والسماء و الطارق) هذا قسم إلهي – قال العلماء: افتتاح السورة بالقسم تحقيق لما يقسم و تشويق إليه – حيث أقسم تعالى بالسماء و ما جعل فيها من الكواكب النيرة.
(و ما أدراك ما الطارق) تفخيم من شأنه بالإستفهام عنه الدال على تهويله و تعظيمه. ثم فسره بقوله " و النجم الثاقب ".
(النجم الثاقب) قال قتادة و غيره: إنما سمي النجم طارقا , لأنه إنما يرى بالليل و يختفي بالنهار , و يؤيده ما جاء في الحديث الذي رواه البخاري " نهى أن يطرق الرجل أهله طروقا " , أي: يأتيهم فجأة بالليل. و " الثاقب ": أي المضيء. كأنه يثقب ظلمة الليل و ينفذ فيه , فيبصر بنوره و يهتدي به. و قال السدي: يثقب الشياطين إذا أرسل عليها. و قال عكرمة: هو مضيء و محرق للشياطين.
و المقسم عليه هو قوله تعالى (إن كل نفس لّمّا عليها حافظ) أي أن كل نفس عليها حافظ – أي مهيمن عليها رقيب , و هو الله تعالى كما في آية " و كان الله على كل شيء رّقيبا " – يحفظ أعمالها فيحصى عليها ما تكسب من خير أو شر لتحاسب عليها و تجزي بها و هذا إثبات للبعث الآخر بطريقة الكناية.
(فلينظر الإنسان مّما خلق) فليتدبر خلقته و مبدأه و من أي شيء خلقه. و هذا تنبيه للإنسان على ضعف أصله الذي خُلق منه , و إرشاد له إلى الإعتراف بالمعاد , لأن من قدر على البَدَاءة فهو قادر على الإعادة بطريق أولى , كما قال " و هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده و هو أهون عليه ".
(خُلق من ماء دافق) يعني: المني , يخرج دفقا من الرجل و من المرأة فيتولد منهما الولد بإذن الله عز و جل.
(يخرج من بين الصلب و التّرائب) قال الإمام: الصلب هو كل عظم من الظهر فيه فقار. و يعبر عنه في كلام العامة بسلسلة الظهر. و قد يطلق بمعنى الظهر نفسه إطلاقا لإسم الجزء على الكل , و الترائب موضع القلادة من الصدر.
قال بعض علماء الطب: الترائب جمع تريبة و هي عظام الصدر في الذكر و الأنثى. و يغلب إستعمالها في موضع القلادة من الأنثى.
قال الإمام: و معنى الآية أن المنيّ باعتبار أصله و هو الدم , يخرج من شيء ممتد بين الصلب – أي فقرات الظهر في الرجل – و الترائب أي عظام صدره. و ذلك الشيء الممتد بينهما هو الأبهر " الأورطي " و هو أكبر شريان في الجسم يخرج من القلب خلف الترائب و يمتد إلى آخر الصلب تقريبا. و منه تخرج عدة شرايين عظيمة , و منها شريانان طويلان يخرجان منه بعد شرياني الكليتين , و ينزلان إلى أسفل البطن حتى يصلا إلى الخصيتين , فيغذيانهما. و من دمهما يتكون المنيّ في الخصيتين و يسميان شرياني الخصيتين , أو الشريانين المنويين فلذا قال تعالى عن المنيّ " يخرج من بين الصلب و الترائب " لأنه يخرج من مكان بينهما و هو الأورطي أو الأبهر. و هذه الآية على هذا التفسير , تعتبر من معجزات القرآن العلمية.
(إنه على رجعه لقادر) فالذي أوجد الإنسان من ماء دافق , يخرج من هذا الموضع الصعب , قادر على رجعه في الآخرة , و إعادته للبعث و النشور و الجزاء.
(يوم تبلى السرائر) أي تظهر و تعرف خفيات الضمائر , و يبقى السر علانية و المكنون مشهورا , فيظهر برّ الأبرار , و فجور الفجار. و قد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال " يرفع لكل غادر لواء في إسته , يقال: هذه غَدْرة فلان بن فلان ".
(فما له من قوة و لا ناصر) أي ليس لهذا الكافر و المكذب بالبعث و الحياة الثانية ما له قوة يدفع بها عن نفسه عذاب ربّه و لا ناصر ينصره فيخلصه من العذاب.
ثم أقسم الله تعالى قسما ثانيا على صحة القرآن فقال:
(و السماء ذات الرجع) أي المطر , يسمى رجعا لأنه تعالى يرجعه وقتا فوقتا إلى العباد , و لولاه لهلكوا و هلكت مواشيهم.
(و الأرض ذات الصدع) أي و الأرض ذات التشقق عن النبات و الزروع المختلفة.
(إنه لقول فصل) أي إن القرآن حق و صدق , بيّن واضح , و حكم عدل في كل مختلف فيه من الحق و الباطل.
(و ما هو بالهزل) أي و ليس القرآن باللعب الباطل , بل هو الحق من الله الذي لا باطل معه.
(إنهم يكيدون كيدا) أي إن المكذبين بالقرآن و الجاحدين لحقه يمكرون مكرا لإبطال أمر الله و إطفاء نوره.
(و أكيد كيدا) أي و أنا أمكر بهم و أكيد لهم كيدا , لإظهار الحق , و لو كره الكافرون. و لدفع ما جاؤوا به من الباطل , و يعلم بهذا مَنِ الغالب , فإن الآدمي أضعف و أحقر من أن يغالب القوي العليم في كيده.
(فمهل الكافرين أمهلهم رويدا) أي لا تستعجل لهم عقابهم و أنظرهم قليلا , و سترى ماذا أحل بهم من العذاب و النكال و العقوبة و الهلاك – كما قال تعالى " نمتّعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ " - , فقد كتبنا في كتاب عندنا " لأغلبن أنا و رسلي إن الله قوي عزيز ".
و قد أنجز الله وعده لرسوله و المؤمنين فلم يمض إلاّ سنوات قلائل , و لم يبق في مكة من سلطان إلا الله , و لا معبود يعبد إلا الله.
¥