ومن وضوح الهدف أن يكون إيجابياً لا سلبياً، أي أن تحدد ما تريده بوضوح، إذ إنّ من الأخطاء التي تقع فيها كثير من الناس عند سؤاله عن هدفه أنه يذكر لك ما لا يريده، أماّّ ما يريده فهو غير واضح في ذهنه أو لم يفكر فيه أصلاً.
ومن وضوح الهدف أن تتخيل أكبر قدر ممكن من تفاصيله كأنه منجز متحقق حاصل بين يديك.
6 - من شروط تحقق الأهداف وضع خطة عملية للوصول إليها، فالهدف مهما كان عظيماً وممكناً ومشروعاً ومحدداً ما لم يبين سبيل الوصول إليه يبقى أفكاراً وآمالاً فقط، أما تحققه في الواقع فلا بد له من خطة توصل إليه.
وهذا هو مفترق الطريق بين الجادين والهازلين في الحياة أن الهدف عند أهل الجد والعزائم بمجرد أن يتحدد يتبعه التفكير والإعداد لكيفية تحقيقه والوصول إليه وما هو مدى البعد والقرب منه، وما هي العوائق الموجودة في الطريق أو التي يتوقع حصولها؟، وكيف يُمكن تجاوز هذه العوائق والتغلب عليها.
أمَّا أهل التسويق والبطالة فما أكثر الأهداف الخيالية عندهم التي لا يخطون خطوة واحدة في سبيل تحقيقها.
فمن يضع له هدفاً مثلاً أن يوجد له منزلاً سكنياً خلال سنتين فلا بد له من وضع خطة للوصول إلى هذا الهدف تشتمل على توفير المبالغ المالية والبحث عن الأرض المناسبة ووضع التصاميم الهندسية اللازمة والتعاقد مع المقاول وشراء الاحتياجات ورسم جميع هذه الخطوات بالدقة والتفصيل.
وهذا يختلف عمن يريد أن يبني منزلاً سكنياً فقط ثم لا يفكر في شيء بعد ذلك.
ومن وضع له هدف تأليفِ كتاب مثلاً فلا بد له من تحديد موضوعه ثم الاطلاع الأولي على مصادره ثم وضع مخطط له يحتوي على أبوابه وفصوله ومباحثه ومسائلة وأمثلته وغير ذلك.
وينبغي عند وضع خطة تحقيق الهدف مراعاة أن تكون عملية مرنة منطقية كما سيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله في مبحث لاحق.
7 - بعد إنجاز الخطة وتوفير الاحتياجات وتحديد زمن التنفيذ يكون التنفيذ للخطة من أجل الوصول للهدف وتحدد جهة التنفيذ وجهة الإشراف ومعيار قياس التقدم نحو الهدف وقد تكون جهة التنفيذ هي جهة الإشراف، وسيواجه الإنسان أثناء تقدمه نحو هدفه كثيراً من العقبات التي قد تستدعي منه تعديل بعض خططه والنظر في الأهداف المرحلية التي توصله للهدف الرئيسي من العملية كلها.
ولا بد أن يكون المناط به تنفيذ العمل مؤمناً به إيماناً جازماً، وأن يعقد العزم على الوصول إليه بلا أدنى تردد، وأن يعقد العزم على أنه المسئول عن تحقيقه لا غيره وإلاّ فالفشل هو مصير العمل لتحقيق الهدف.
8 - يجب أن يكون الهدف الذي تسعى لتحقيقه هدفاً محتاجاً إليه وأولى من غيره بالعمل.
فقد يكون الإنسان يسعى لأهداف تتوفر بيها جميع الشروع السابقة لكنه لا يحتاج إليها بل حاجته لأهداف أخرى أكثر إلحاحاً كمن يريد أن يعدَّ له استراحة يقيم فيها أسبوعياً في إجازة نصف العام وهو لم يبني منزلاً سكنياً يقيم في طوال العام.
وهذا اختلال في الأوليات عنده حيث يقدم ما حقه التأخير ويؤخر ما حققه التقديم، وربَّما تمادى الحال بمن هذه صفته إلى أن يقضي حياته في توافه الأمور وصغارها بينما كان يُمكن أن يعمل غير ذلك ويترك أثر بل آثاراً يناله نفعها وينال غيره في الدنيا والآخرة.
وهذا يقودنا إلى الإشارة إلى قضية أخرى وهي أن الإنسان لا يد أن يكون في تحديد أهدافه والسعي لتحقيقها صاحب طموح ونفس توَّاقه لمعالي الأمور، فالحياة محدودة والفرص قد لا تتكرر، ومن قضى أوقاته ومضت حياته في الاشتغال بتوافه الحياة وصغارها عاش في قاعها، ولم يتسنى له الرقي إلى ذراها وقممها.
فمثلاً إنسان يتمتع بذكاء عال جداً ويتخرج من الثانوية بتقدير ممتاز ولديه قدرات أن يواصل دراسته حتى يحصل على شهادة الدكتوراه لكنه يرضى بما تحقق له في الثانوية ويبحث له عن وظيفة محددة، هذا قد قتل قدراته ووأد إمكاناته، والسبب أن أهدافه متواضعة، وطموحه محدود.
وإنسان آخر يقضي أوقاته في اللهو والبطالة ومجالسة الكسالي والفارغين، ولو قضى هذه الأوقات في عبادة ربه من صلاة وقراءة وذكر وسعي على الأرملة والمساكين والتميم، وفي مزاولة حرفة واكتساب رزق حلال لكان حاله غير حالة لكنه عدم الطموح والرضى بالدون (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ …).
¥