ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[10 - صلى الله عليه وسلمpr-2007, مساء 09:34]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام، على قائد الغر المحجلين، نبينا محمد، وآله، وصحبه، ومن تبعه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن العلامة أبا محمد علي بن حزم الأندلسي المتوفى عام (456) هـ علم من أشهر أعلام هذه الأمة له مكانة عظمى، ومنزلة عليا في العلم لا تخفى.
وقد برع العلامة أبو محمد ابن حزم في عدد من العلوم: كالفقه، والحديث، والأصول، والأدب والبلاغة والشعر، والتأريخ والأخبار، والنسب، والمنطق، والطب ..
وقد أوتي جدلا و حجة وبلاغة، يأسر من اطلع على كلامه، ويملك قبله، وتقنعه، أو تفحمه حججه!
وهو مع ذلك أديب وشاعر مرهف الحس ... له قصائد سارت بها الركبان.
وهو حكيم مجرب له نظر ثاقب، وذهن يتوقد، وقوة ملاحظة، وسبر وتقسيم عجيب لأخلاق الناس وآدابهم.
وقد حصلت له خطوب وحروب مع أهل زمانه = جرت عليه محن وفتن، وابتلاءات كثيرة أثرت في نفسه وخلقه وطبعه، وكشفت له من أمور الناس وما تنطوي عليه أخلاقهم وصفاتهم شيئا كثيرا.
= فكان نتاج ذلك أن كتب كل ما تحصل له من ذلك في كتاب محاولة منه في معالجة أخلاق الناس، وحثهم على الجميل، وكَفِّهِم عن القبيح.
وهذا الكتاب اسمه: (الأخلاق والسير في مداواة النفوس) أو (مداواة النفوس)
يقول في مقدمة كتابه:
.. جمعت في كتابي هذا معاني كثيرة، أفادنيها واهب التمييز تعالى بمرور الأيام وتعاقب الأحوال، بما منحني عز وجل من التهمم بتصاريف الزمان، والإشراف على أحواله، حتى أنفقت في ذلك أكثر عمري، وآثرت تقييد ذلك بالمطالعة له، والفكرة فيه على جميع اللذات التي تميل إليها أكثر النفوس، وعلى الازدياد من فضول المال، وزممت كل ما سبرت من ذلك بهذا الكتاب، لينفع الله تعالى به من يشاء من عباده ممن يصل إليه بما أتعبت فيه نفسي، وأجهدتها فيه، وأطلت فيه فكري، فيأخذه عفواً، وأهديته إليه هنيئاً، فيكون ذلك أفضل له من كنوز المال، وعقد الأملاك، إذا تدبره ويسره الله تعالى لاستعماله، وأنا راج في ذلك من الله تعالى أعظم الأجر لنيتي في نفع عباده، وإصلاح ما فسد من أخلاقهم، ومداواة علل نفوسهم، وبالله أستعين.اهـ
وعزمت أن أنتقي من هذا الكتاب ما استحسنه مع نصيحتي للكل بقراءته كاملا، فهو بحر مليء بالدرر .. لا غنى لطالب العلم عنه.
والآن وقت الشروع في المقصود:
قال رحمه الله ص 2:
لذة العاقل بتمييزه، ولذة العالم بعلمه، ولذة الحكيم بحكمته، ولذة المجتهد لله عز وجل باجتهاده = أعظم من لذة الآكل بأكله، والشارب بشربه، والواطيء بوطئه، والكاسب بكسبه، واللاعب بلعبه، والآمر بأمره، وبرهان ذلك أن الحكيم العاقل والعالم والعامل واجدون لسائر اللذات التي سمينا، كما يجدها المنهمك فيها، ويحسونها كما يحسها المقبل عليها، وقد تركوها وأعرضوا عنها، وآثروا طلب الفضائل عليها، وإنما يحكم في الشيئين من عرفهما لا من عرف أحدهما ولم يعرف الآخر.
ثم قال:
إذا تعقبت الأمور كلها فسدت عليك، وانتهيت في آخر فكرتك باضمحلال جميع أحوال الدنيا، إلى أن الحقيقة إنما هي العمل للآخرة فقط، لأن كل أمل ظفرت به فعقباه حزن،
إما بذهابه عنك،
وإما بذهابك عنه،
ولا بد من أحد هذين الشيئين،
إلا العمل لله عز وجل؛ فعقباه على كل حال سرور في عاجل وآجل،
أما العاجل فقلة الهم بما يهتم به الناس، وإنك به معظم من الصديق والعدو،
وأما في الآجل فالجنة.
و قال:
لا تبذل نفسك إلا فيما هو أعلى منها، وليس ذلك إلا في ذات الله عز وجل في دعاء إلى حق، وفي حماية الحريم، وفي دفع هوان لم يوجبه عليك خالقك تعالى، وفي نصر مظلوم.
وباذل نفسه في عَرَض دنيا، كبائع الياقوت بالحصى!
لا مروءة لمن لا دين له.
العاقل لا يرى لنفسه ثمناً إلا الجنة.
لإبليس في ذم الرياء حبالة، وذلك أنه رب ممتنع من فعل خير خوف أن يظن به الرياء.
العقل والراحة هو اطراح المبالاة بكلام الناس، واستعمال المبالاة بكلام الخالق عز وجل بل هذا باب العقل، والراحة كلها.
من قدر أنه يسلم من طعن الناس وعيبهم فهو مجنون.
¥