والتنفيذ. وهو أصل من أصول التشريع والعمل في الوقت ذاته .. وهو منبثق من تقوى الله، وراجع إليها. هذه التقوى النابعة من الشعور بأن الله سميع عليم .. وكل ذلك في آية واحدة قصيرة، تلمس وتصور كل هذه الحقائق الأصيلة الكبيرة. وكذلك تأدب المؤمنون مع ربهم ومع رسولهم؛ فما عاد مقترح منهم يقترح على الله ورسوله؛ وما عاد واحد منهم يدلي برأي لم يطلب منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدلي به؛ وما عاد أحد منهم يقضي برأيه في أمر أو حكم، إلا أن يرجع قبل ذلك إلى قول الله وقول الرسول .. روى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة - بإسناده -" عن معاذ - رضي الله عنه - حيث قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بعثه إلى اليمن: " بم تحكم؟ " قال: بكتاب الله تعالى. قال - صلى الله عليه وسلم -: " فإن لم تجد؟ " قال: بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال - صلى الله عليه وسلم -: " فإن لم تجد؟ " قال - رضي الله عنه -: أجتهد رأيي. فضرب في صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما يرضي رسول الله ". وحتى لكأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألهم عن اليوم الذي هم فيه، والمكان الذي هم فيه، وهم يعلمونه حق العلم، فيتحرجون أن يجيبوا إلا بقولهم: الله ورسوله أعلم. خشية أن يكون في قولهم تقدم بين يدي الله ورسوله! جاء في حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي - رضي الله عنه - " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل في حجة الوداع:" أي شهر هذا؟ " .. قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. فقال: " أليس ذا الحجة؟ " قلنا: بلى! قال: " أي بلد هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. فقال: " أليس البلدة الحرام؟ " قلنا بلى! قال: " فأي يوم هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. فقال: " أليس يوم النحر؟ " قلنا بلى! .. الخ ". فهذه صورة من الأدب، ومن التحرج، ومن التقوى، التي انتهى إليها المسلمون بعد سماعهم ذلك النداء، وذلك التوجيه، وتلك الإشارة إلى التقوى، تقوى الله السميع العليم. والأدب الثاني هو أدبهم مع نبيهم في الحديث والخطاب؛ وتوقيرهم له في قلوبهم، توقيراً ينعكس على نبراتهم وأصواتهم؛ ويميز شخص رسول الله بينهم، ويميز مجلسه فيهم؛ والله يدعوهم إليه بذلك النداء الحبيب؛ ويحذرهم من مخالفة ذلك التحذير الرهيب:? يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي. ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض، أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ? .. يا أيها الذين آمنوا .. ليوقروا النبي الذي دعاهم إلى الإيمان .. أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون .. ليحذروا هذا المزلق الذي قد ينتهي بهم إلى حبوط أعمالهم، وهم غير شاعرين ولا عالمين، ليتقوه! ولقد عمل في نفوسهم ذلك النداء الحبيب، وهذا التحذير المرهوب، عمله العميق الشديد: قال البخاري: حدثنا بسرة بن صفوان اللخمي، حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة. قال: كاد الخيران أن يهلكا .. أبو بكر وعمر رضي الله عنهما .. رفعا أصواتهما عند النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم عليه ركب بني تميم (في السنة التاسعة من الهجرة) فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس - رضي الله عنه - أخي بني مجاشع (أي ليؤمره عليهم) وأشار الآخر برجل آخر. قال نافع: لا أحفظ اسمه (في رواية أخرى أن اسمه القعقاع بن معبد) فقال: أبو بكر لعمر - رضي الله عنهما - ما أردت إلا خلافي. قال: ما أردت خلافك. فارتفعت أصواتهما في ذلك. فأنزل الله تعالى: ? يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي, ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض، أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ?. قال ابن الزبير - رضي الله عنه -: فما كان عمر - رضي الله عنه يسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هذه الآية حتى يستفهمه! .. وروي عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قال لما نزلت هذه الآية: قلت: يا رسول الله، والله لا أكلمك إلا كأخي السرار (يعني كالهمس!). وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال: " لما نزلت هذه الآية: ? يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي - إلى قوله: وأنتم لا تشعرون ? وكان ثابت بن
¥