تَرْفَعُو?اْ أَصْوَ?تَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ?لنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِ?لْقَوْلِ ? فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أما ترضى أن تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة؟ " فقال: رضيت ببشرى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أرفع صوتي أبداً على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وأنزل الله تعالى: ? إِنَّ ?لَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَ?تَهُمْ عِندَ رَسُولِ ?للَّهِ أُوْلَـ?ئِكَ ?لَّذِينَ ?مْتَحَنَ ?للَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى? ? الآية. وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين كذلك، فقد نهى الله عز وجل عن رفع الأصوات بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما، فجاء فقال: أتدريان أين أنتما؟ ثم قال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً. وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام؛ لأنه محترم حياً، وفي قبره صلى الله عليه وسلم دائماً، ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه، بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم، ولهذا قال تبارك وتعالى: ? وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِ?لْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ? كما قال تعالى: ? لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ?لرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ?. وقوله عز وجل: ? أَن تَحْبَطَ أَعْمَـ?لُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ? أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده؛ خشية أن يغضب من ذلك، فيغضب الله تعالى لغضبه فيحبط عمل من أغضبه، وهو لا يدري كما جاء في الصحيح: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالاً يكتب له بها الجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض " ثم ندب الله تعالى إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك وأرشد إليه ورغب فيه فقال: ?إِنَّ ?لَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَ?تَهُمْ عِندَ رَسُولِ ?للَّهِ أُوْلَـ?ئِكَ ?لَّذِينَ ?مْتَحَنَ ?للَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى? ? أي أخلصها لها وجعلها أهلاً ومحلاً ? لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ?وقد قال الإمام أحمد في كتاب الزهد: حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن منصور عن مجاهد قال: كتب إلى عمر: يا أمير المؤمنين رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل، أم رجل يشتهي المعصية، ولا يعمل بها، فكتب عمر رضي الله عنه: إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها ? أُوْلَـ?ئِكَ ?لَّذِينَ ?مْتَحَنَ ?للَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى? لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ?. [1] ( http://majles.alukah.net/#_ftn1)

في تفسير سيد قطب: هذه السورة التي لا تتجاوز ثماني عشرة آية، سورة جليلة ضخمة، تتضمن حقائق كبيرة من حقائق العقيدة والشريعة، ومن حقائق الوجود والإنسانية. حقائق تفتح للقلب وللعقل آفاقاً عالية وآماداً بعيدة؛ وتثير في النفس والذهن خواطر عميقة ومعاني كبيرة؛ وتشمل من مناهج التكوين والتنظيم، وقواعد التربية والتهذيب، ومبادئ التشريع والتوجيه، ما يتجاوز حجمها وعدد آياتها مئات المرات! وهي تبرز أمام النظر أمرين عظيمين للتدبر والتفكير. وأول ما يبرز للنظر عند مطالعة السورة، هو أنها تكاد تستقل بوضع معالم كاملة، لعالم رفيع كريم نظيف سليم؛ متضمنة القواعد والأصول والمبادئ والمناهج التي يقوم عليها هذا العالم؛ والتي تكفل قيامه أولاً، وصيانته أخيراً .. عالم يصدر عن الله، ويتجه إلى الله، ويليق أن ينتسب إلى الله .. عالم نقي القلب، نظيف المشاعر، عف اللسان، وقبل ذلك عف السريرة .. عالم له أدب مع الله، وأدب مع رسوله، وأدب مع نفسه، وأدب مع غيره. أدب في هواجس ضميره، وفي حركات جوارحه. وفي الوقت ذاته له شرائعه المنظمة لأوضاعه، وله نظمه التي تكفل صيانته. وهي شرائع ونظم تقوم على ذلك الأدب، وتنبثق منه، وتتسق معه؛ فيتوافى باطن هذا العالم وظاهره. وتتلاقى شرائعه ومشاعره. وتتوازن دوافعه وزواجره؛ وتتناسق أحاسيسه وخطاه، وهو يتجه ويتحرك إلى الله .. ومن ثم لا يوكل قيام هذا العالم الرفيع الكريم النظيف السليم وصيانته،

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015