للحيوانات كلّها فهم وإدراك وأصوات تدلّ بها على ما في نفسها , وتتفاهم بها أجناسُها بعضها عن بعض , ومن تلك الأصوات ما يكون أخفى من أن يصل إليه سمعنا ومنها ما نسمعه , وممّا نسمعه ما نفهم مُرادها به ومنه ما لا نفهمه , فلا نسمع صوت النّملة ولكنّنا نسمع صوت الهرّة ــ مثلا ــ ونُميّز بين صوتها الذي تدلّ به على غضبها وصوتها الذي تدلّ به على طلبها , وفي مملكة النّمل ومملكة النّحل ــ مثلا ــ من النّظام والتّرتيب والتّقدير والتّدبير ما لا يبقى معه شكّ فيما لهذه الحيوانات من إدراك وتمييز وما بينها من تفاهم , بل كثير من الحيوانات تصير بالتّرويض تفهم عنّا كثيرا من العبارات والإشارات وتأتي بالأعمال العجيبة طبق ما يُراد منها وتُدل عليه فهذا أصل ما بلغت إليه من إدراكها ونُطقها اللّذين أخبرنا بهما القرآن , وتلك الغاية من الإدراك والنّطق لا سبيل لنا إليها لاختلاف الخلقة وجهل مدلولات الأصوات , وقد أدركها سُليمان صلّى الله عليه وسلّم بتعليم من الله كرامة له وآية على نُبوّته ومُعجزة للنّاس.

فمن حكمة اللّغة العربيّة الشّريفة أن سمّت أصوات الحيوانات نُطقا كما سمّت ــ في المُتعارف ــ اللّفظ الذي يُعبّر به عمّا في الضّمير نُطقا , لأنّ الأصوات لغير الإنسان تقوم مقام الألفاظ للإنسان فهي طريق تفاهمها , وطريق فهم ما يُمكن الإنسان فهمه عنها , فلله هذه اللّغة ما أعمق غورها وما أدقّ تعبيرها.

نظر وإيمان:

قد شُوهد بالعيان في أنواع من الحيوانات حُسن تدبيرها لأمر معاشها ودقّة سعيها في جلب منافعها ودفع مضارها فمن الجائز أن يضل إدراكها بالفطرة إلى ما وراء ذلك من وجُود خالقها ورازقها , وهذا هو الذي أخبرنا به القرآن في هذه الآيات من أمر النّملة وأمر الهدهد الآتيين من بعدُ , فنحن به مُؤمنون لجوازه عقلا وثُبوته سمعا , مثل سائر السّمعيّات.

تمييز:

قد شارك الحيوان الإنسان في الإدراك والتّمييز وبلغ إدراكه إلى معرفة وُجود خالقه ورازقه ولكنّ الإنسان يمتاز عنه بقوّة التّحليل والتّركيب لكلّ ما يصل إليه حسّه وإدراكه , وتطبيق ذلك على كلّ ما تمتدّ إليه قُدرته ويكون في مُتناول يده فمن ذلك التّركيب والتّحليل والتّطبيق تغلّب على عناصر الطّبيعة وتمكّن من ناصيتها واستعمل حيوانها وجمادها في مصلحته ورقي أطوار التّقدّم في حياته , ولفقد الحيوان غير الإنسان هذه القوّة بقي في طور واحد من حياته ومعيشته فإدراك الحيوان فِطريّ إلهاميّ يُعطاه من أوّل الخلقة والإنسان يُعطى أصل الإدراك الإجمالي ثمّ بتلك القوّة يتّسع أُفُق إدراكه ويستمرّ في درجات التّقدّم وهذه القوّة التي يمتاز بها الإنسان هي العقل , وهي التي ساد بها هذا العالم الفاني.

توجيه:

ذكر سُليمان عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسلام منطق الطّير وهو قد علم منطق غير الطّير أيضا , فقد فهم نُطق النّملة , ذلك لأنّ الحيوانات غير الإنسان مراتب: الزّاحفة , والماشيّة , والطّائرة , وأشرفها الطّائرة فاقتصر على الطّير تنبيها بالأعلى على الأدنى.

تنزيه وتبيين:

عبّر سُليمان عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام عن نفسه بنُون العظمة , ونوّه بذلك الفضل المُبين , وما كان عليه السّلام ــ ليتعظّم بسُلطان , ولا ليتطاول بفضل , فالأنبياء صلّى الله عليهم وسلّم أشدّ الخلق تواضعا لله وأرحمهم بعباده , وإنّما أراد تعظيم نعمة الله في عيون النّاس , وتفخيم مُلك النّبوّة في قُلوب الرّعيّة ليملأ نُفوسهم بالجلال والهيبة , فيدعوهم ذلك إلى الإيمان والطّاعة فينتظم المُلك , ويهنأ العيش , وتمتدّ بهم أسباب السّعادة إلى خير الدّنيا والآخرة , وهذا هو الذي توخّاه سُليمان عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام من المصلحة بإظهار العظمة , ولذا لم يقل: علمت , ولا: لي , وعندي من كلّ شيء , ولم يقُل: فضلي , فهو فضل من عَلّمه وآتاه , فضّله به عمّن سواه.

ترغيب واقتداء:

يذكر الله تعالى لنا في شأن هذا النّبيّ الكريم ما أعطاه من علم وما مكّنه منه من عظيم الأشياء ترغيبا لنا في طلب العلم والسّعي في تحصيل كلّ ما بنا حاجة إليه من أمور الدّنيا , وتشويقا لنا إلى ما في هذا الكون من عوالم الجماد وعوالم الأحياء وبعثا لهممنا على التّحلّي بأسباب العظمة من العلم والقوّة , وحثّا لنا على تشييد المُلك العظيم الفخم على سُنن مُلك النّبوّة , فقد كان سُليمان عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام نبيّا وما كان مُلكه ذلك إلاّ بإذن الله ورضاه فهو فيما ذكره الله من أمره قُدوة وأيُّ قُدوة مثل سائر الأنبياء والمُرسلين , عليهم الصّلاة والسّلام أجمعين.

:مجلّة الشّهاب الجُزء الثالث المُجلّد الخامس عشر. ([1] (

http://www.nouralhuda.com/%عز وجل9%83%عز وجل8%صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم%عز وجل8%صلى الله عليه وسلم8-%عز وجل9%88-%عز وجل9%85%عز وجل8%صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم%عز وجل8%رضي الله عنه7%عز وجل9%88%عز وجل8%رضي الله عنه7 %عز وجل8%صلى الله عليه وسلم7%عز وجل8%صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم/%عز وجل8%رضي الله عنه9%عز وجل8%صلى الله عليه وسلم8%عز وجل8%صلى الله عليه وسلمF-%عز وجل8%صلى الله عليه وسلم7%عز وجل9%84%عز وجل8%صلى الله عليه وسلمعز وجل%عز وجل9%85%عز وجل9%8صلى الله عليه وسلم %عز وجل8%صلى الله عليه وسلمF-%عز وجل8%صلى الله عليه وسلم7%عز وجل8%صلى الله عليه وسلم8%عز وجل9%86-%عز وجل8%صلى الله عليه وسلم8%عز وجل8%صلى الله عليه وسلم7%عز وجل8%صلى الله عليه وسلمF%عز وجل9%8صلى الله عليه وسلم%عز وجل8%رضي الله عنه3/284-%عز وجل9%85%عز وجل8%صلى الله عليه وسلمC%عز وجل8%صلى الله عليه وسلم7%عز وجل9%84%عز وجل8%رضي الله عنه3-%عز وجل8%صلى الله عليه وسلم7%عز وجل9%84%عز وجل8%صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم%عز وجل9%91%عز وجل8%رضي الله عنه0 %عز وجل9%83%عز وجل9%8صلى الله عليه وسلم%عز وجل8%رضي الله عنه1-%عز وجل9%85%عز وجل9%8F%عز وجل9%84%عز وجل9%83-%عز وجل8%صلى الله عليه وسلم7%عز وجل9%84%عز وجل9%86%عز وجل9%91%عز وجل8%صلى الله عليه وسلم8 %عز وجل9%88%عز وجل9%91%عز وجل8%صلى الله عليه وسلم9-2.html

طور بواسطة نورين ميديا © 2015