ـ[سعد بن عبدالله الحميد]ــــــــ[09 - عز وجلec-2006, صباحاً 08:24]ـ
تَعْرِيفُ العِلَّةِ لُغَةً
العِلَّةُ في لُغَةِ العَرَبِ: المَرَضُ؛ ويقال لمن أَعَلَّهُ اللهُ بِمَرَض: مُعَلٌّ، وعَلِيلٌ [1].
قال ابن منظور [2]: «وقد اعْتَلَّ العَليلُ عِلَّةً صَعْبةً، والعِلَّةُ: المَرَضُ، عَلَّ يَعِلُّ، واعْتَلَّ، أي: مَرِضَ، فهو عَليلٌ، وأَعَلَّهُ اللهُ، ولا أعَلَّكَ الله، أي: لا أصابَكَ بعِلَّة».
واختُلِفَ في جواز إطلاق «مَعْلول» على الحديثِ الذي فيه عِلَّةٌ:
فالمُحَدِّثون يُسَمُّون كلَّ ما يَقْدَحُ في الحديث عِلَّةً؛ أَخْذًا من المعنى اللغويِّ، ويقولون عن الحديثِ الذي فيه عِلَّةٌ: «مَعْلولٌ»، ومثلهم الفقهاء والأصوليون؛ يقولون في باب القياسِ وغيرِهِ: «العِلَّةُ، والمَعْلول» [3].
وأنكَرَ هذا عليهم بعضُ علماء اللغة، وتَبِعهم متأخِّرو أهل الحديث؛ كابنِ الصلاحِ ومَنْ جاء بعده.
فأوَّلُ مَنْ وَقَفنا على إنكاره قولَهُمْ: «مَعْلولٌ»: هو الحريريُّ (ت516هـ) في كتابه "دُرَّة الغوَّاص، في أوهام الخَوَاصّ" [4]؛ حين قال: «ويقولون للعليل: هو مَعْلولٌ، فَيُخْطِئون فيه؛ لأنَّ المَعْلول: هو الذي سُقِيَ الْعَلَلَ، وهو الشُّرْبُ الثاني، والفعلُ منه: عَلَلْتُهُ. فأمَّا المفعولُ من العِلَّة: فهو مُعَلٌّ، وقد أَعَلَّه اللهُ تعالى».
وقال ابنُ مَكِّيٍّ الصِّقِلِّيُّ [5]: «ويقولون: رجلٌ مَعْلولٌ، وكلامٌ مَعْلولٌ، والصوابُ: مُعَلٌّ».
ثم جاء ابن الصلاح فجعله مَرْذولاً، فقال [6]: «ويُسَمِّيه أهلُ الحديث: المَعْلولَ؛ وذلك منهم - ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس: «العِلَّة، والمَعْلول» - مَرْذولٌ عند أهل العربية واللغة».
ثم جاء النوويُّ فعدَّه لَحْنًا، فقال [7]: «ويُسَمُّونه: المَعْلولَ؛ وهو لحنٌ».
وأقرَّه السُّيُوطي في "شرحه" [8]، ودلَّل على ذلك بقوله: «لأنَّ اسمَ المفعولِ مِنْ «أَعَلَّ» الرباعيِّ لا يأتي على «مفعول»». اهـ. وكذا قال! وقد استعملَهُ هو في كثير من كتبه [9]، ومنها: "هَمْعُ الهوامع" [10].
وقال الفيروز آبادي [11]: «والعِلَّةُ - بالكسر -: المَرَضُ، عَلَّ يَعِلُّ واعْتَلَّ وأَعَلَّهُ اللهُ تعالى؛ فهو مُعَلٌّ وعَلِيلٌ، ولا تقل: مَعْلولٌ، والمتكلِّمون يقولونها، ولستُ منه على ثَلَج».اهـ. فكأنه متوقِّف فيها، مائلٌ إلى تخطئتها.
والفيروز آبادي في هذا متابع لابن سِيده الذي نقلَ [12] استعمالَ الزَّجَّاجِ لها في بحر المتقارِبِ من العَروض، ثم قال: «وأَرَى هذا إنما هو على طَرْحِ الزائد؛ كأنه جاء على «عُلَّ»، وإنْ لم يُلْفَظْ به، وإلا فلا وجه له، والمتكلِّمون يَسْتعملون لفظةَ «المَعْلول» في هذا كثيرًا، وبالجملةِ فلستُ منها على ثقةٍ ولا ثَلَجٍ؛ لأنَّ المعروف إنما هو: أَعَلَّهُ اللهُ، فهو مُعَلٌّ، اللهمَّ إلا أنْ يكونَ على ما ذهَبَ إليه سيبَوَيْهِ مِنْ قولهم: «مَجْنونٌ ومَسْلولٌ»؛ مِنْ أنه جاء على جَنَنْتُهُ وسَلَلْتُهُ، وإنْ لم يُستعملا في الكلامِ؛ استُغني عنهما بـ «أَفْعَلْتُ». اهـ.
وخلاصةُ ما تقدَّم من كلامِ هؤلاء الأَئمَّة: أنَّ المَرَضَ يقالُ من الرباعي فقط: «أَعَلَّهُ»، فهو «مُعَلٌّ»، ولا يقالُ من الثلاثي: «عُلَّ» أو «عَلَّهُ»، فهو «مَعْلول» إلا في الشُّرْبِ فقطْ؛ كما في قولِ كعب بن زُهَيْر $ح في قصيدتِهِ المشهورة «بانت سعاد» [13]:
تَجْلُو عوارضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابتسَمَتْ
كأنَّه مُنْهَلٌ بِالرَّاحِ مَعْلولُ [14]
وما ذكره هؤلاءِ الأَئمَّةُ مُتَعَقَّبٌ بأنه وقَعَ في كلامِ كثيرٍ ممَّن يُوثَقُ به مِنْ أهلِ العلم والعربية:
فهذا الخليلُ بنُ أحمد الفَراهِيدي شيخُ سِيبوَيْهِ استعمَلَ لفظَ «المَعْلول» من العِلَّة في علم العَروض الذي اخترعَهُ، وهذا معروفٌ ومشهورٌ في كتب العَروضيين في بابِ الزِّحافات والعلل، ونقله أيضًا ابنُ سيِّد الناسِ في "سيرته" [15].
وهذا أبو إسحاقَ الزَّجَّاجُ استعمَلَ لفظَ «المَعْلول» في المتقارب من بحور العَروض، وهو مِنَ العِلَّة؛ كما تقدَّم نقله عن ابن سِيدَه.
وهذا ابنُ القُوطِيَّة يقول [16]: «عُلَّ الإنسانُ عِلَّةً: مَرِضَ، وعَلَلْتُهُ بالشَّرَابِ عَلًّا وعَلَلاً: سقيتُهُ بعد نَهَلٍ».
¥