يقول المؤلِّف في مقدمة الكتاب: «قد رأيتُ مواضعَ في الزاد وشرحه، تُشكل على بعض الطلبة؛ فأردتُ أن أُوَضِّحها؛ ليتبيَّن العالمُ دليلَها، ودليلَ المخالِف فيها، فيعمل بما يترجَّح عنده صوابه، والله الموفق».
فالكتاب إذاً ليس بشرحٍ لعموم الكتاب، ولا حاشيةٍ عليه بالمعنى المعهود، بل هو تناولٌ لمواضعَ مشكِلَة في «الروض المربع» بالبحث المطوَّل مع تفصيلِ الخلاف فيها، وبيان الأدلَّة لكلِّ قولٍ؛ بهدفِ معرفةِ القولِ الراجحِ فقط، سواءٌ كان هذا القول -في النهاية- موافقاً للمذهب الحنبلي أم مخالفاً له، وهذا يدلُّ على? تجرُّدِ المؤلِّف واتِّباعه للدليل والمنهج السلفي؛ رغم تمكُّنه من المذهب، ومعرفته به.
وصنيع الشيخ فيصل في كتابه هذا يُشبه صنيعَ شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه «تفسيرُ أياتٍ أشكلتْ على? كثيرٍ من العلماء» ([3] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=15#_ftn3))، إذ تعرَّض شيخ الإسلام للأيات الُمشكِلة فقط، أما بقيَّة الآيات فالخطب فيها يسير وتفسيرها متداول ومتناول في التفاسير.
وقول المؤلف هنا وفي عنوان الكتاب: «مواضع» جاء على صيغة منتهى الجموع وهي من جموع الكثرة ([4] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=15#_ftn4))، وهذا يُفيدُ أن هذه المواضع المبحوثة كثيرة، وهي كذلك؛ إذ بلغت ثلاثمِئة وخمسين موضعاً، وهذا عدد كبير بالنسبة لكتاب «الروض المربع» الذي لا يتجاوز مجلداً في أغلب طبعاته، وهذا من دقته وتحرِّيه في صياغة العنوان؛ ليكون دالّا ً على? مضمون الكتاب.
ثالثاً: منهجه في الكتاب
نستطيع تقسيم عمل المؤلف في بحثه للمواضع إلى مراحل علمية مرتبطة بعضها ببعض:
المرحلة الأولى?: ينقل المؤلِّف في البداية الموضعَ المرادَ التعليق عليه من «الروض المربع» بنصِّه كاملاً إن كان القدر قليلاً كما في الموضع الأول، أما إن كان كثيراً فإنه ينقل أول الكلام ثم يقول: «إلى? أخره».
المرحلة الثانية: ينقل الإجماع والخلاف، ويعتمد في نقل أقوال أهل العلم على كتابين في الغالب، وهما: «الإفصاح» لابن هبيرة، ثم «بداية المجتهد» لابن رُشد، فينقل منهما ما يتعلَّق بالمسألة فقط.
واختياره لهذين الكتابين موفَّقٌ جداً؛ لأنهما متخصصان بمعرفة أقوال أهل العلم، مع الإشارة للأدلة، وبيان سبب الخلاف، مع الاختصار وحسن الترتيب والصياغة.
وقد يكتفي بأحدهما، وقد يخرج عنهما أحياناً إلى «المقنع» و «الشرح الكبير» و «الفروع» ... ولكن الأصل أنه ينقل الإجماع والخلاف منهما.
المرحلة الثالثة: بسط الأقوال ومناقشتها وتفنيد الأدلة، ويعتمد في هذه المرحلة على? كتاب «فتح الباري» للحافظ ابن حجر، فينقل منه ما يوافق مقصوده.
المرحلة الرابعة: الترجيح، ويعتمد في هذه المرحلة على? كتابين: «اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية» و «الإرشاد» للعلامة ابن سعدي، وهما لا يكادان يختلفان، ويُستشف من نقله لاختياريهما وختمه المبحث بهما أو بأحدهما دون التعقيب عليهما أنه يتبنى هذا الاختيار، وقديماً قيل: «إن اختيارُ المرءِ قطعةٌ مِن عقلِه» ([5] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=15#_ftn5)).
وعليه: نستطيع أن نقول: إن هذا هو منهجه في الترجيح.
ولم نجده علَّق على مسألة من عند نفسه إلا في ثلاثة مواضع هي:
1 - الموضع السابع والستون بعد المِئتين.
2 - الموضع الخامس والسبعون بعد المِئتين.
3 - الموضع السادس عشر بعد الثلاثمِئة.
هذا المنهج التزم به المؤلِّفُ في الغالب، وقد يتخلَّف في بعض المواضع فلا ينقل من «الفتح» أو «الاختيارات» ... بسبب عدم وقوفه على المسألة فيهما؛ أو لغير ذلك من الأسباب.
وقد يقول قائل: ما فائدة هذا الكتاب إنْ كان بجُملتِهِ نقولاً من كُتُبٍ مطبوعة ومعروفة بين أهل العلم.
نقول وبالله المستعان:
لا ضيرَ في ذلك لأن العالم ينقل بفهم وعلم، فيُوصِل الباحث إلى القول الراجح من أقرب السُّبُل، وهل العِلم إلا النقل، وهذا المنهج معروف مطروق لدى أهل العلم، فكتاب «نيل الأوطار» للشوكاني عُمدته النقل من «فتح الباري» و «التلخيص الحبير» بالدرجة الأولى?، وكتاب «فتح الباري» عُمدته النقل من شروح مَن سبقه كما هو ظاهر، والقائمة تطول كثيراً، فهل يقال: ما فائدة هذه الكتب.
¥