" الأخطاء الطبية في ميزان القضاء " للدكتور هاني بن عبدالله الجبير

ـ[العضد]ــــــــ[20 - Feb-2007, مساء 12:55]ـ

المقدمة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أمّا بعد:

فإن الناظر في تعاليم الإسلام والمتأمل فيها يوقن حقاً بأنه منهاج حياة متكاملة. فهو لم يدع جانباً من جوانب الحياة، ولا طوراً من أطوار الإنسان إلا ورسم فيه المنهج الأمثل، ومن جملة ما رسم منهاجه وحدد قيوده الإجراءات العلاجية والعمليات الطبية.

وبحمد الله تعالى أن كانت هذه البلاد محكمة للإسلام مقيمة لشرعه في قضائها باحثة عن المصلحة فيما تسنه من أنظمة وتعليمات.

من خلال هذين الأمرين تعاليم الإسلام، والسياسة الشرعية التي لا تخالفه تخرج تطبيقات القضاء وأحكامه.

ومن المؤسسات القضائية في هذه البلاد (اللجنة الطبية الشرعية). والتي تتولى التحقيق والمحاكمة في الشكاوى الناتجة عن الممارسات الطبية وتحقيق مدى المسؤولية فيها.

وفيما يلي نظرات أو وقفات في هذا الموضوع حسبما يسمح به الوقت من خلال الفقرات الآتية:

اللجنة الطبية الشرعية:

صدر نظام مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان بالمرسوم الملكي رقم م/3 في 21/ 2/1409هـ وقد تناول في الفصل الرابع منه تشكيل هذه اللجنة (1) والتي يكون مقرها الرياض وتنشأ لجان أخرى في المناطق م34.

وهي مكونة من قاضٍ شرعي لا تقل درجته عن قاضي أ يعينه وزير العدل رئيساً ومستشاراً نظاميا وطبيبان من ذوي الكفاءة يعينهم وزير الصحة، وعضو هيئة تدريس من إحدى كليات الطب يعينه وزير التعليم العالي م34.

وتصدر قراراتها بالأغلبية بشرط أن يكون القاضي منها: م36.

ويحضر فيها المدعي على حسابه الخاص، أما الطبيب المدعى عليه فإنه ينقل إليها على حساب مرجعه وهذا إذا لم يكن لديهم فرع للّجنة الطبية الشرعية م36/ 5.

وإذا تقدم شخص للجنة الطبية الشرعية فإن اللجنة تنظر في دعواه وبعدها تسمع جواب الطبيب على دعوى المدعي وقد تطلب ملف المريض للتحقق من الإجراءات وتناقش الطبيب في موضوع الدعوى ثم تصدر قرارها. وتفهم الطبيب أن من حقه أن يعترض على قرارها ويتظلم منه أمام ديوان المظالم ليتولى تدقيق الحكم والبت فيه بإقراره ليكون قطعياً واجب التنفيذ أو نقضه كله أو بعضه. وفي بعض الأحوال يدعي المدعي العام فيما ليس فيه حق خاص.

والأصل أن يحضر الطبيب بنفسه إذ اللجنة تتولى التحقيق والمحاكمة وليس في النظام ما يمنع توكيل محامٍ في المرافعة ما لم يستدع الحال حضور الطبيب بنفسه (2).

أنواع المخالفات الطبية: -

يمكن حصر المخالفات الطبية الجنائية في قسمين: الأول: المخالفات العادية. والثاني: الأخطاء الفنية.

أولاً: المخالفات العادية:

وهي المخالفات النظامية والشرعية التي لا صلة لها بالأصول الفنية لمهنة الطب ومن أبرزها:

1) ممارسة العمل الطبي دون ترخيص من الجهة الحكومية المختصة (م29/ 1) ومثلها من استحصل ترخيصاً بطرق غير مشروعة أو بيانات غير مطابقة للحقيقة (م29/ 2) أو استعمل وسيلة دعائية تجعل الجمهور يعتقد أنه أهل لمزاولة عمل طبي خلافاً للحقيقة (م29/ 3) أو انتحل لقباً من الألقاب التي تطلق على مزاولي مهنة الطب (م29/ 4).

وهذه المبادئ المقررة نظاماً متفقة مع ما ذهب إليه فقهاء المالكية من أن أصل مشروعية العمل الطبي هو إذن الحاكم (3) والذي يظهر لي أن الطبيب غير النظامي والذي لم يحصل على شهادة من جهة أكاديميّة يسوغ لولي الأمر منعه من عمله وعقابه على افتياته عليه. لكن مجرد عدم حمله للترخيص لا يوجب الضمان بل هو كالطبيب المرخص له متى كان صاحب خبرة تامة وقد مارس العلاج فعلاً فانتفع به المرضى. وهذا ما اختاره الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله (4).

2 - امتناع الطبيب عن علاج المريض: فإنه يجب على الطبيب الذي يعلم أن مريضاً في حالة خطرة أن يقدم له المساعدة الممكنة أو أن يتأكد من أنه يتلقى العناية الضرورية. ومن أمثلة ذلك: امتناع الطبيب عن استخدام أجهزة الإنعاش الصناعي لمريض معرض لخطر الموت إذا طلب المحتضر استخدامها. أو امتناع الطبيب عن التدخل العلاجي في حال انفجار الزائدة الدودية أو الخوف منه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (من قدر على إنجاء شخصٍ بإطعامٍ أو سقي فلم يفعل, فمات, ضمنه) (5)

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015