فصل التوبة نوعان: واجبة ومستحبة فالواجبة هي التوبة من ترك مأمور أو فعل محظور وهذه واجبة على جميع المكلفين كما أمرهم الله بذلك في كتابه وعلى ألسنة رسله والمستحبة هي التوبة من ترك المستحبات وفعل المكروهات فمن اقتصر على التوبة الأولى كان من الأبرار المقتصدين ومن تاب التوبتين كان من السابقين المقربين ومن لم يأت بالأولى كان من الظالمين إما الكافرين وإما الفاسقين قال الله تعالى وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم سورة الواقعة 7 12 وقال تعالى فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم سورة الواقعة 88 94 وقال تعالى فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله سورة فاطر 32 وقال تعالى إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا سورة الإنسان 3 6 وقال كلا إن كتاب الفجار لفي سجين إلى قوله كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون إلى قوله ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون سورة المطففين 7 28 قال ابن عباس تمزج لأصحاب اليمين مزجا ويشرب بها المقربون صرفا والتوبة رجوع عما تاب منه إلى ما تاب إليه فالتوبة المشروعة هي الرجوع إلى الله وإلى فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه وليست التوبة من فعل السيئات فقط كما يظن كثير من الجهال لا يتصورون التوبة إلا عما يفعله العبد من القبائح كالفواحش والمظالم بل التوبة من ترك الحسنات المأمور بها أهم من التوبة من فعل السيئات المنهي عنها فأكثر الخلق يتركون كثيرا مما أمرهم الله به من أقوال القلوب وأعمالها وأقوال البدن وأعماله وقد لا يعلمون أن ذلك مما أمروا به أو يعلمون الحق ولا يتبعونه فيكونون إما ضالين بعدم العلم النافع وإما مغضوبا عليهم بمعاندة الحق بعد معرفته وقد أمر الله عباده المؤمنين أن يدعوه في كل صلاة بقوله اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ولهذا نزه الله نبيه عن هذين فقال تعالى والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى سورة النجم 1 4 فالضال الذي لا يعلم الحق بل يظن أنه على الحق وهو جاهل به كما عليه النصارى قال تعالى ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل سورة المائدة 77 والغاوي الذي يتبع هواه وشهواته مع علمه بأن ذلك خلاف الحق كما عليه اليهود قال تعالى سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين سورة الأعراف 146 وقال تعالى واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث الآية سورة الأعراف 175 176 وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إن أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الفتن فإن الغي والضلال يجمع جميع سيئات بني آدم فإن الإنسان كما قال تعالى وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا سورة الأحزاب 72 فبظلمه يكون غاويا وبجهله يكون ضالا وكثيرا ما يجمع بين الأمرين فيكون ضالا في شيء غاويا في شيء آخر إذ هو ظلوم جهول ويعاقب على كل من الذنبين بالآخر كما قال في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا سورة البقرة 10 وكما قال فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم سورة الصف 5 كما يثاب المؤمن على الحسنة بحسنة أخرى فإذا عمل بعلمه ورثه الله علم ما لم يعلم وإذ عمل بحسنة دعته إلى حسنة أخرى قال تعالى والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم سورة محمد 17 وقال تعالى ويزيد الله الذين اهتدوا هدى سورة مريم 76 وقال والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا سورة العنكبوت 69 وقال ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015