وقد أقر ابن حجر على هذه القاعدة واحتج بها في مواضع من كتبه وتبعه في الاحتجاج بها العلامة المعلمي في مواضع كثيرة من التنكيل منها (ص 300 و 416 و 442 و 495 و 537 و 540 و 679 و 702 و 719).

وأما كلمة الفصل في شيوخ أبي زرعة فلعلها تلك التي قالها العلامة المحقق الكبير ابن رجب في شرح العلل (1/ 386 - 387) وهذا نصها: «والذي يتبين لي من عمل الامام أحمد وكلامه أنه يترك الرواية عن المتهمين والذين كثر خطؤهم للغفلة وسوء الحفظ، ويروي عمن دونهم في الضعف مثل من في حفظه شيء ويختلف الناس في تضعيفه وتوثيقه، وكذلك كان أبو زرعة يفعل».

ابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة المدني

اختلف إماما الجرح والتعديل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين – فيما نقل عنهما - في شيوخ ابن أبي ذئب، ففي ترجمته من تهذيب الكمال (25/ 634) أو تهذيب التهذيب (9/ 304 - 305): «وقال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان بن أبي ذئب يشبه بسعيد بن المسيب، قيل لأحمد: خلف مثله ببلاده؟ قال: لا ولا بغيرها.

وقال: وسمعت أحمد يقول: ابن أبي ذئب كان ثقة صدوقا أفضل من مالك بن أنس إلا أن مالكا أشد تنقية لرجال منه بن أبي ذئب كان لا يبالي عن من يحدث.

وقال عبد الله بن محمد البغوي عن أحمد بن حنبل: كان بن أبي ذئب رجلا صالحا يأمر بالمعروف، وكان يشبه بسعيد بن المسيب.

وقال احمد بن سعد بن أبي مريم عن يحيى بن معين: ابن أبي ذئب ثقة وكل من روى عنه بن أبي ذئب ثقة إلا أبا جابر البياضي وكل من روى عنه مالك ثقة إلا عبد الكريم أبا أمية.

وقال أبو داود في موضع آخر سمعت أحمد بن صالح يقول: شيوخ ابن أبي ذئب كلهم ثقات إلا أبو جابر البياضي».

وأنا أستغرب ما نقله ابن أبي مريم عن ابن معين فقد تفرد بذلك وهو خلاف الواقع (37)، وليس يحيى ممن يخفى عليه أن ابن أبي ذئب كان يحدث عن كل أحد ولا يبالي؛ فينبغي جمع أقوال يحيى في شيوخ ابن أبي ذئب ليتبين حال هذا الخبر عنه؛ والله أعلم.

وقال الخليلي في ابن أبي ذئب كما في تهذيب التهذيب (9/ 307): «حديثه مخرج في الصحيح، إذا روى عن الثقات فشيوخه شيوخ مالك لكنه قد يروي عن الضعفاء».

(((البخاري)))

قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الرد على البكري ما تقدم نقله عنه في ترجمة الإمام أحمد، وهو قوله: «ان القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان منهم من لم يرو الا عن ثقة عنده كمالك وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وكذلك البخاري وأمثاله».

وأقول: في اطلاق أن البخاري لا يروي الا عن ثقة عنده نظر.

قال المعلمي في (التنكيل) في ترجمة أحمد بن عبد الله الفرياناني (ص320 - 322): «قال الذهبي: وقد رأيت البخاري يروي عنه في كتاب (الضعفاء). أقول (38): في باب (الإمام ينهض بالركعتين) من (جامع الترمذي): (قال محمد بن اسماعيل [البخاري]:ابن أبي ليلى هو صدوق، ولا أروي عنه لأنه لا يُدْرَى صحيح حديثه من سقيمه، وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئاً)؛ والبخاري لم يدرك ابن أبي ليلى، فقوله: (لا أروي عنه) أي بواسطة، وقوله: (وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئاً) يتناول الرواية بواسطة وبلا واسطة؛ وإذا لم يرو عمن كان كذلك بواسطة فلأَن لا يروي عنه بلا واسطة أولى، لأن المعروف عن أكثر المتحفظين أنهم إنما يتقون الرواية عن الضعفاء بلا واسطة، وكثيراً ما يروون عن متقدمي الضعفاء بواسطة.

وهذه الحكاية تقتضي أن يكون البخاري لم يرو عن أحد إلا وهو يرى أنه يمكنه تمييز صحيح حديثه من سقيمه، وهذا يقتصي أن يكون الراوي على الأقل صدوقاً في الأصل فإن الكذاب لا يمكن أن يُعرَف صحيح حديثه؛ فإن قيل: قد يعرف بموافقته الثقات، قلت: قد لا يكون سمع وإنما سرق من بعض أولئك الثقات، ولو اعتد البخاري بموافقة الثقات لروى عن ابن أبي ليلى ولم يقل فيه تلك الكلمة، فإن ابن [أبي] ليلى عند البخاري وغيره صدوق، وقد وافق الثقات في كثير من أحاديثه، ولكنه عند البخاري كثير الغلط بحيث لا يُؤمَن غلطه حتى فيما وافق عليه الثقات، وقريب منه من عرف بقبول التلقين، فإنه قد يلقن من أحاديث شيوخه ما حدثوا به ولكنه لم يسمعه منهم، وهكذا من يحدث على التوهم فإنه قد يسمع من أقرانه عن شيوخه ثم يتوهم أنه سمعها من شيوخه فيرويها عنهم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015