وقال مؤلفا تحرير التقريب (1/ 27): «ان توثيق شيوخ من عرف من عادته او حاله انه لا يروي الا عن ثقة، ليس على اطلاقه، وانما هو في الاعم الاغلب، فقد روى هؤلاء الذين قيل فيهم ذلك عن بعض الضعفاء والواهين، ويستثنى من ذلك ابو داود السجستاني صاحب السنن، فانه قد عرف بالاستقراء انه لا يروي في السنن خاصة الا عن من هو ثقة» (24).

وعليهما في دعوى الاستقراء في هذه القضية استدراك، فانه ان كان المراد الاستقراء الناقص فلا حجة فيه على مثل دعواهما؛ وأما إن كان مرادهما الاستقراء التام (25) أي أنهما وجدا في كل شيخ من شيوخ أبي داود في سننه من كلام المعتمدين من العلماء أو من مقتضى سبر أحاديث أولئك الشيوخ ودراستها أن جميع شيوخ أبي داود ثقات فهذا خلاف الواقع؛ ففي تقريب التهذيب من شيوخ أبي داود في سننه نحو مئة أكثرهم اذا أهملنا مقتضى رواية ابي داود عنهم (26) لا يستحقون أن يوصفوا عند التحقيق بأعلى من كلمة صدوق، بل لعله لا يرتقي الى هذه الرتبة إلا اقلهم، بل إنه لا يوجد في كثير منهم نقد صريح معتبر ففيهم بعض جهالة، بل إن طائفة منهم كانوا الى جهالة الحال اقرب.

فالتحقيق اذن يوجب ان لا يقال في شيوخ ابي داود اكثر مما قيل في شيوخ مالك او سليمان بن حرب او يحيى بن سعيد القطان او بقي بن مخلد او حريز بن عثمان أو نحوهم من المحدثين الذين ادعى فيهم بعض العلماء المعتمدين انهم لا يروون الا عن الثقات.

وإليك حال بعض شيوخ أبي داود في سننه في الرواية:

1 - أحمد بن سعيد بن بشر بن عبيد الله الهمداني أبو جعفر المصري؛ جاء في ترجمته من تهذيب التهذيب: «قال النسائي ليس بالقوي لو رجع عن حديث بكير بن الأشج في الغار لحدثت عنه وذكر عبد الغني بن سعيد عن حمزة الكناني أن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين هو ادخل على الهمداني حديث الغار.

قال زكريا الساجي ثبت، وقال العجلي ثقة وقال أحمد بن صالح ما زلت أعرفه بالخير مذ عرفته وذكره بن حبان في الثقات وذكره النسائي في شيوخه الذين سمع منهم».

2 - أحمد بن عبد الجبار بن محمد بن عمير بن عطارد، مجمع على ضعفه؛ ولكن يظهر أن أبا داود لم يرو عنه في سننه خلافاً لما قاله المزي.

3 - أحمد بن محمد بن أيوب البغدادي؛ قال عثمان الدارمي: كان أحمد وعلي بن المديني يحسنان القول فيه وكان يحيى يحمل عليه (27)؛ وقال عبد الله بن أحمد: عن أبيه ما أعلم أحدا يدفعه بحجة وقال يعقوب بن شيبة ليس من أصحاب الحديث وإنما كان وراقاً» (28).

4 - إبراهيم بن العلاء بن الضحاك، روى عنه أبو داود وبقي بن مخلد ومحمد بن عوف وأبو حاتم الرازي وقال: صدوق، ويعقوب بن سفيان وغيرهم. قال ابن عدي: سمعت أحمد بن عمير سمعت محمد بن عوف يقول وذكرت له حديث إبراهيم بن العلاء عن بقية عن محمد بن زياد عن أبي إمامة رفعه استعتبوا الخيل فإنها تعتب فقال رأيته على ظهر كتابه ملحقا فانكرته فقلت له فتركه؛ قال ابن عوف: وهذا من عمل ابنه محمد بن إبراهيم كان يسوى الأحاديث وأما أبوه فشيخ غير متهم لم يكن يفعل من هذا شيئاً؛ قال ابن عدي: وإبراهيم حديثه مستقيم ولم يرم الا بهذا الحديث ويشبه أن يكون من عمل ابنه كما ذكر محمد بن عوف.

وقال ابن حجر في التهذيب: قال أبو داود ليس بشيء وذكره بن حبان في الثقات.

ولكن قال الدكتور بشار عواد معروف في رده على بعض من طعن في كتاب تحرير التقريب في جريدة الرأي العراقية (العدد 64 – السنة الثانية): «وهذا النقل مما اخطأ فيه الحافظ ابن حجر رحمه الله فلا أدري من اين أتى به، فليس في الرواة الذين رووا أقوال أبي داود من قال مثل هذا القول، بل هناك نقيضه، حيث قال الآجري، وهو اشهر من روى أقوال أبي داود في الجرح والتعديل: (سألت أبا داود عنه فقال: ثقة كتبت عنه) (سؤالات الآجري 5/ الورقة 25).

ثم كيف يتصور أن يقول إمام كبير مثل أبي داود عن شيخ: (ليس بشيء) ثم يروي عنه في السنن؟!

وقد فاتت ابن حجر هذه النكتة التي رد مثيلتها قبل قليل حينما قال?وهذا مما يدل على أن أبا داود لم يرو عنه، فإنه لا يروي إلا عن ثقة عنده) (تهذيب التهذيب 3/ 180)؛ وقد بينا (29) غير مرة أن ابن آدم خطاء وأن كل إنسان يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم» (30).

5 - ابراهيم بن مخلد الطالقاني، لم يوثقه الا مسلمة بن قاسم وابن حبان وهما متساهلان.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015