3 - وفي هذا الحديث يا فضيلة الشيخ لم يذكر لنا ربيعة بن يزيد اسم هذا الصحابي لنر مرتبته في الحفظ والضبط والفهم ومهما يكن فليس هو أفضل من عبد الله بن عمر الذي يشهد بأن الشعبي أعلم بالمغازي منه مع أن ابن عمر رآها وأن الشعبي رواها فهذا الصحابي روى الحديث صحيحاً حتى وأطيعوا الأمراء ثم أتبعه بتفسيره له بعبارة " فإن كان خيراً فلكم وإن كان شراً فعليهم وأنتم منه براء ". وهذا لم يكن من الحديث أصلاً؛ لأن الأحاديث التي رويت في طاعة الأمراء كلها توصي بالسمع والطاعة لهم ماأقاموا كتاب الله أو مالم يأمروا بمعصية فكيف يتلاءم هذا مع رواية هذا الصحابي: " وإن كان شراً فعليهم وأنتم منه براء ".
فقد روى مسلم في صحيحه في كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية: عن أم الحصين عن رسول الله ? قال: " إن أُمِّرَعليكم عبد مجدَّع حسبتها قالت أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا ".
وروى عن ابن عمر بعده عن النبي ? قوله: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " ورواه الترمذي في كتاب الجهاد باب ما جاء لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق ورواه أيضاً البخاري وباقي الستة وأحمد ورواه ابن الجارود في المنتقى باب ما يجب من طاعة الأمراء وتركه إذا أمروا بمعصية حديث رقم 1041 وهناك أحاديث كثيرة عن رسول الله ? تحض على ترك طاعة الأمير حين يأمر بما يخالف كتاب الله منها ما رواه مسلم عقب الحديث السابق عن علي أن رسول الله ? بعث جيشاً وأَمَّر عليهم رجلاً فأوقد ناراً وقال ادخلوها فأراد ناس أن يدخلوها وقال الآخرون إنا قد فررنا منها فذُكر ذلك لرسول الله ? فقال للذين أرادوا أن يدخلوها لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة وقال للآخرين قولاً حسناً. وقال لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف. ولا عجب أن يكون فهم الشعبي للحديث أجود من فهم ذلك الصحابي والرسول ? يقول: " فرب مبلَّغٍ أوعى من سامع " رواه الترمذي في العلم وأحمد وابن حبان وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وصححه الألباني.
4 - إن طلاب المرحلة الابتدائية يعرفون الفرق بين كذبْتَ وكذَّاب فالأولى تدل على الفعل في حالة واحدة أما الثانية فتعني الاستمرارية والملازمة فما بالك بالشعبي العربي الهمداني اليمني الأصل الذي كتب عن خمسمائة صحابي ووصفه قراء الكوفة " بأنه زعيم القراء " الذي تذوق اللغة العربية في مهده وورثها عن أجداده حقيقة لاادعاءً كما فعل غيره فقال للصحابي لما استنبط حكماً خاطئاً من الحديث كذبت ولم يقل له كذاب كما قال للحارث الأعور.
5 - لجهل فضيلتك أو تجاهلك وصفت الشعبي بأنه سريع التكذيب لمن حدث بما لم يبلغه. وكأن الرجل يحفظ حديثاً أو حديثين فينصب نفسه ميزاناً للرواة ونسيت فضيلتك قول الشعبي:
" لقد نسيت من العلم ما لو حفظه أحد لكان به عالماً " (هذا مما لم يكتبه وما بقي في ذهنه مما لم يكتبه أكثر بكثير عدا الذي كتبه).
6 - لجهل فضيلتك بلغات العرب وصفت الشعبي هذا الوصف وكأنه أحمق يبادر بالتكذيب لأي كان لمجرد تحديثه بحديث لم يبلغه.
فقد قال ابن حبان في كتاب علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار ص92: أبو محمد البخاري الذي كان يقول: الوتر حق فقال عبادة بن الصامت: كذب أبو محمد اسمه مسعود بن زيد بن سبيع الأنصاري ومن قال إن اسمه أحمد فقد وهم وليس في الصحابة أحد اسمه أحمد وقول عبادة كذب يريد أخطأ هذه لغة سائرة في أهل الحجاز.
فهذه لغة أهل الحجاز يا فضيلة الشيخ ولا يسع الذي يوثق ويضعف ويصدر الأحكام بأن يقول هذا سريع التكذيب وهذا يُرَدُّ قولُه أقول لا يسعه أن يجهل لغات الأمصار واصطلاح أهل الفن.
فقول الشعبي لهذا الصحابي كذبت يعني أخطأت أي أخطأت في تفسير الحديث بعبارتك التي فسرت بها الحديث " وإن كان شراً فعليهم وأنتم منه براء " هذا التفسير خطأ يرده الروايات التي أوردناها سابقاً ومنها " إنما الطاعة في المعروف " وهو ليس من الحديث أصلاً.
قد تعود إلى مغالطاتك وتقول بأن الشعبي كوفي وبعيد عن الحجاز فأقول لك بأنه أخذ عن عائشة وابن عمر في الحجاز وفي المدينة بالذات وقضى فترة لا بأس بها في المدينة والصحابي غالباً هو من أهل الحجاز فيفهم كلامه أيضاً على محمله.
¥