قال ابن دقيق العيد: في قولهم روى مناكير لا يقتضي بمجرده ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته وينتهي إلى أن يقال فيه: منكر الحديث؛ لان منكر الحديث وصف في الرجل يستحق به الترك لحديثه والعبارة الأحرى لا تقتضي الديمومة (2).

وقال ـ أيضاً ـ: فرق بين أن يقول: روى أحاديث مُنُكرةَ، وبين أن يقول: إنه منكر الحديث؛ فإن هذه تقتضي كثرة ذلك منه حتى تصير وصفاً له، فيستحق بها أن لا يُجْتجّ بحديثه عندهم.

أما العبارة الأولى: فتقتضي وجود النكرة في أحاديث، ولا تقتضي كثرة ذلك.

ومثل بذلك ما قاله أحمد بن حنبل في محمد بن إبراهيم التيمي؛ حيث قال: في حديثه شيء يروي أحاديث مناكير ومُنْكَرَة (3)، ومحمد مُتّفق على الاحتجاج بأحاديثه، وإليه المرجع في حديث: " إنما الأعمال بالنيات " (4).

وقال ابن القطان: وفرق عند المحدثين بأن يقولوا: " روى مناكير " أو " منكر الحديث ".

" منكر الحديث ": هو الذي يقولونه لمن سقطت الثقة بما يروي، لكثرة المنكرات على لسانه، كالذي يشتهر فيما بيننا بِقلة التوقي فيما يحدث به، وتتكرر فضيحته، حتى يكون إذا سمعنا حديثاً منكراً نقول: فلان حدث به؛ إلا لما قدم عَهْدنا من نكارة حديثه. فهذا عندهم هو الذي يطلقون عليه أنه: " منكر الحديث " ولا تحل الراواية عنه.

أما الذي يقولون فيه: " عنده مناكير " أو روى أحاديث منكرة " فإنه رجل روى ما لا يعرفه غيره، وحاله مع ذلك صالحة، فهذا لا يضره الانفراد؛ إلا أن يكثر بعد قبوله ... (5).

قلت وقد يطلق ذلك على الثقة إذا روى المناكير عن الضعفاء

قال الحاكم قلت للدارقطني فسليمان بن بنت شرحبيل قال ثقة قلت أليس عنده مناكير قال يحدث بها عن قوم ضعفاء

ومن العبارات في ذلك قولهم: " فلان في حديثه بعض الإنكار، أو في أحاديثه ما ينكر عليه ":

وقد تكون هذه الأحاديث ليست منه إنما رواه فلحقه عتاب بذلك، فلا تكون قادحة إلا إذا كانت عهدة هذه الأحاديث عليه:

قال أحمد بن حنبل: أرجو أن لا يكون به بأس روى بآخره أحاديث منكرة، وما أرى إلا أنها من قبل خصيف ـ ابن عبد الرحمن الجزري ـ وقال مرة: أحاديث عتاب عن خصيف منكرة (6).

وقال المعلمي في التفريق بين " يروي المناكير " و " في حديثه مناكير ":

بين العبارتين فرق عظيم فإن " يروي مناكير " يقال: في الذي يروي ما سمعه مما فيه نكارة، ولا ذنب له في النكارة بل الحمل فيها على من فوقه، فالمعنى أنه ليس من المبالغين في التنقي والتوقي الذي لا يحدثون مما سمعوا إلا بما لا نكارة فيه، ومعلوم أن هذا ليس بجرح.

وقولهم: " في حديثه مناكير " كثيراً ما تقال فيمن تكون النكارة من جهته جزماً أو احتمالاً فلا يكون ثقة " (7).

ومن طرق معرفة من تكون العهدة عليه في ذلك؟.

فليس للباحث في ذلك إلا الطريق العلمي، وهو جمع الطرق والروايات، فإن كان في السند أحد الضعفاء ودلت القرائن على أنها من قبله؛ كأن يتفرد بها عن شيخه، أو أن حاله تدل على ذلك، فتكون العهدة عليه، أما إن توبع الراوي على هذه النكارة فتنتقل هذه العهدة منه ويتحملها شيخه (8).

وممن يستعمل عبارة " منكر الحديث " البخاري.

وبما أن البخاري امتاز باستعمال ألطف العبارات حتى عند إرادة الجرح، فقد استعمله كثيراً عند جرح الراوي.

ومعناها عند البخاري أن الراوي الذي وصف بذلك، فهو ضعيف جداً.

فقد ذكر ابن حجر أنه روى عن البخاري بسند صحيح قوله: " كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه ".

ومما وصف البخاري بهذا الوصف أبان بن جبلة الكوفي (9).

وكذا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي المدني.

ومقتضى ذلك أن لا يحتج به، ولا يعتبر به.

وجاءت عن البخاري رواية أخرى بلفظ " كل ما قلت فيه منكر الحديث فلا يحل الاحتجاج به ".

ومقتضى هذا أنه يعتبر به، فيكون خفيف الضعف.

وما قيل فيه، فهو يعني عنده أنه متروك: إما ترك الاعتبار، أو ترك الاحتجاج (10).

قال الشيخ: أحمد بن عبد الكريم معبد على الرواية الثانية عن البخاري: لم أقف لهذه الرواية على سند إلى البخاري حتى ينظر فيه، وقد أراد البقاعي أن يجمع بين الروايتين بحملها على عدم حِل الرواية للاحتجاج عمن وصفه البخاري بمنكر الحديث. لكن ابن حجر رجح الرواية الأولى التي تفيد شدة الضعف، لصحة سندها (11).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015