قال ابنُ الجوزي – رحمه الله: " وقد أوهم أبو مسعود بترجمةِ عمرو بنِ ميمونٍ أنهُ من الصحابةِ الذين انفرد بالإخراجِ عنهم البخاري، وليس كذلك فإنهُ ليس من الصحابةِ، ولا لهُ في الصحيحِ مسندٌ ". [كشفُ المشكلِ من حديثِ الصحيحين لابن الجوزي (4/ 175)].

فعمرو بنُ ميمونٍ كما قال الإمامُ القرطبي – رحمه الله – يعدُ من كبارِ التابعين من الكوفيين [تفسيرُ القرطبي (1/ 442) تفسير سورة البقرة الآية 65].

ثالثاً:

البخاري – رحمهُ اللهُ – لما ذكر هذا الأثرَ الذي ليس على شرطهِ، إنما أراد الإشارةَ إلى فائدةٍ والتأكيدِ على أن عمرو بنَ ميمونٍ قد أدرك الجاهليةَ، ولم يبالِ البخاري بظنِ عمرو الذي ظنهُ في الجاهليةِ، بأن القردةَ قد زنت فرجموها بسببِ الرجمِ.

رابعاً:

الخبرُ استنكرهُ الإمامُ ابنُ عبدِ البرِ – رحمهُ اللهُ – قال الحافظُ ابنُ حجرٍ – رحمهُ اللهُ -: " وَقَدْ اِسْتَنْكَرَ اِبْن عَبْد الْبَرّ قِصَّة عَمْرو بْن مَيْمُون هَذِهِ وَقَالَ: " فِيهَا إِضَافَة الزِّنَا إِلَى غَيْر مُكَلَّف، وَإِقَامَة الْحَدّ عَلَى الْبَهَائِم وَهَذَا مُنْكَر عِنْد أَهْل الْعِلْم ". [فتح الباري لابن حجر 7/ 197 (الطبعة السلفية)].

خامساً:

استنكر الخبرَ الإمامُ الألباني – رحمه الله – فقال: " هذا أثرٌ منكرٌ، إذ كيف يمكنُ لإنسانٍ أن يعلمَ أن القردةَ تتزوجُ، وأن من خُلقهم المحافظةَ على العرضِ، فمن خان قتلوهُ؟! ثم هبّ أن ذلك أمرٌ واقعٌ بينها، فمن أين علم عمرو بنُ ميمون أن رجمَ القردةِ إنما كان لأنها زنت ". [مختصر صحيح البخاري للألباني (2/ 535)].

سادساً:

قال الشيخُ الألباني – رحمهُ اللهُ -: " وأنا أظنُ أن الآفةَ من شيخِ المصنفِ نعيمِ بنِ حمادٍ، فإنهُ ضعيفٌ متهمٌ، أو من عنعنةِ هُشيم، فإنهُ كان مدلساً ". [مختصر صحيح البخاري للألباني (2/ 535)].

سابعاً:

وممن ذهب إلى تضعيفِ الأثرِ محققُ " سير أعلام النبلاء " (4/ 159) فقد قال في الحاشيةِ: " ونعيمُ بنُ حمادٍ كثيرُ الخطأِ، وهُشيمٌ مدلسٌ وقد عنعن ".

ثامناًً:

فالخبرُ ضعيفٌ في سندهِ نُعيمُ بنُ حمادٍ، من رجالِ معلقاتِ البخاري لا من أسانيدهِ، روى عنهُ البخاري مقروناً بغيرهِ في الأحاديثِ أرقام (393 - 4339 - 7139)، ولم يقرنهُ بغيرهِ إلا في هذا الحديثِ المقطوعِ الذي ليس على شرطهِ – رحمهُ اللهُ – حديث رقم (3849).

ونعيمُ بنُ حمادٍ قال عنه الحافظُ في " التقريب ": " صدوقٌ يخطيءُ كثيراً "، وقال النسائي: " ضعيفٌ "، وذكرهُ ابنُ حبان في " الثقات " وقال: " ربما أخطأ ووهم ". [تهذيب الكمال (29/ 476)].

تاسعاً:

وكذلك الخبرُ ضعيفٌ لأن في سندهِِ هُشيمَ بنَ بشيرٍ الواسطي، وهو كثيرُ التدليسِ، وجعلهُ الحافظُ في المرتبةِ الثالثةِ في طبقاتهِ، وهم ممن لا يُحتجُ بحديثهم إلا بما صرحوا به السماعَ، قلتُ: ولم يصرح بالسماعِ في هذا الخبرِ.

عاشراً:

مال الشيخُ الألباني إلى تقويةِ هذا الأثر مختصراً دون وجود النكارةِ أن القردةَ قد زنت وأنها رُجمت بسببِ الزنا فقال - رحمه الله -: " لكن ذكر ابنُ عبدِ البر في " الاستيعاب " (3/ 1205) أنهُ رواهُ عبادُ بنُ العوام أيضاً، عن حصين، كما رواه هشيم مختصراً.

قلتُ: (القائلُ الألباني) وعبادُ هذا ثقةٌ من رجالِ الشيخين، وتابعهُ عيسى بنُ حطان، عن عمرو بنِ ميمون به مطولاً، أخرجهُ الإسماعيلي، وعيسى هذا وثقهُ العجلي وابنُ حبان، وروايته مفصلةٌ تبعد النكارةَ الظاهرةَ من روايةِ نعيم المختصرة، وقد مال الحافظُ إلى تقويتها خلافاً لابنِ عبدِ البر، والله أعلم ". [مختصر صحيح البخاري للألباني (2/ 535 - 536)].

الحادي عشر:

لو اقترضنا صحةَ الخبرِ، فإن الراوي أخبر عما رأى في وقتِ جاهليتهِ فإنهُ لا حرج من القولِ بأن هذا ما ظنهُ لا سيما أنهُ في روايةٍ رأى قرداً وقردةً مع بعضهما فجاء قردٌ آخر، وأخذها منهُ فاجتمع عليها القردةُ الآخرون ورجموهما.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015