الثالث: ولبيان أنّ كثيراً من هذه الإشكالات التي تورد على الأحاديث الصحيحة إنّما هي إشكالات تعرض نتيجةً لضعفِ التسليم لله ولرسوله ?، أولقلة العلم، أولضعف الديانة، أو لنصرة مذهب وقول، وكلما بعد الزمان أثيرت شبهات وإشكالات متوهمة لم تكن عند السلف الصالح وهذا مصداق لقوله ?: ((لا يَأْتِي زَمَانٌ إِلا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ)) ()، ولقوله ?: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)) ()، وقد كان العلماء السابقون يقرأون هذه الأحاديث الصحيحة ولا يقفون عندها لقوة التسليم لله ولرسوله ?، ومتانة العلم والبصيرة، وقوة الديانة وصلابتها، وسلامة الفطر، قَالَ تعالى {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} نسأل الله أن يرزقنا نورا يملأ قلوبنا يقينا وتسليماً.
ولله در الشاطبيُّ حيث قَالَ: ((ولذلك لا تجد فرقةً من الفرقِ الضالة ولا أحد من المختلفين في الأحكام لا الفروعية ولا الأصولية يعجز عن الاستدلال على مذهبه بظواهر من الأدلة، وقد مرّ من ذلك أمثلة، بل قد شاهدنا ورأينا من الفساق من يستدل على مسائل الفسق بأدلة ينسبها إلى الشريعة المنزهة، وفى كتب التواريخ والأخبار من ذلك أطراف ما أشنعها في الافتئات على الشريعة، وانظر في مسألة التداوي من الخمار في درة الغواص للحريري وأشباهها بل قد استدل بعض النصارى على صحة ما هم عليه الآن بالقرآن ثم تحيل فاستدل على أنهم مع ذلك كالمسلمين في التوحيد سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا)).
2 - حديث قردة زنت
الرد على الشبهة المثارة حول رواية: قردة في الجاهلية زنت فرُجمت
بقلم: سعود الزمانان
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله (محمد بن عبد الله) وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد،،
نصُ الأثرِ:
روى الإمامُ البخاري في " صحيحه " (3849)، كتاب مناقب الأنصار، بابٌ القسامة في الجاهليةِ:
حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: " رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ، قَدْ زَنَتْ، فَرَجَمُوهَا، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ.
الردُ:
أولاً:
هذا الحديثُ ليس على شرطِ الإمامِ البخاري، فصحيحُ البخاري سماهُ: " الجامعُ المختصرُ المسندُ الصحيحُ من أمورِ رسولِ اللهِ – صلى اللهُ عليه وسلم – وسننهِ وأيامهِ " فالخبرُ ليس مسنداً للرسولِ فهو ليس على شرطِ البخاري – رحمهُ اللهُ -.
فالأحاديثُ الموقوفةُ، وهي الأحاديثُ التي تروى عن الصحابةِ، ولا يتمُ رفعُها للنبي – صلى اللهُ عليه وسلم -، والتي يسميها بعضُ أهلِ العلمِ " الآثار " هي ليست كذلك على شرطِ البخاري – رحمه الله -.
وكذلك الأحاديثُ المعلقةُ، وهي الأحاديثُ التي يوردها البخاري، ويحذفُ أولَ أسانيدها، أو يوردُ قولاً بدون سندٍ كأن يقول: " قال أنسٌ "، أو يوردهُ بصيغةِ التمريضِ كأن يقول: " يُروى عن أنسٍ "، وهذه المعلقاتُ سواءٌ رواها
بصيغةِ الجزمِ، أو بصيغةِ التمريضِ، فليست هي على شرطِ الإمامِ البخاري، وقد بلغت معلقاتُ البخاري في الصحيحِ ألفاً وثلاثمائة وواحداً وأربعين.
ثانياً:
هذا الخبرُ رواهُ عمرو بنُ ميمونٍ، وهو من كبارِ التابعين، وليس صحابياً، وإنما هو ممّن أدرك الجاهليةَ، وأسلم في عهدِ النبي – صلى اللهُ عليه وسلم – ولكنهُ لم يرهُ، ولم يرو عنهُ، ويطلقُ على أمثالهِ في كتبِ التراجمِ والرجالِ: " مُخَضْرَمٌ "، ترجم له الحافظُ في " التقريب " فقال: " مُخَضْرَمٌ مَشْهُوْرٌ " [سيرُ أعلامِ النبلاء (4/ 158) – والإصابةُ (3/ 118)].
¥