لكن جاء في عبارة الإمام أحمد التي فتح الله بها عليّ بهذا التحرير: أن أبا صالح لم يرو عن ابن عباس إلا القليل، مع أنّ رواية أبي صالح عن ابن عباس نسخةٌ شهيرةٌ في التفسير!

الجواب: أن النسخة الشهيرة عن أبي صالح عن ابن عباس، هي من رواية محمد بن السائب الكلبي، وهو الذي وضع هذا الإسناد، وكذب على أبي صالح.

ومصداقُ ذلك أن ما رواه أبو صالح عن ابن عباس، من غير رواية الكلبي عنه، قليلٌ جدًّا، كما قال الإمام أحمد، وكما تراه في التفاسير.

فليس له في الكتب الستة عن ابن عباس؛ إلا حديث «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتّخذين عليها المساجد والسُّرُج».

أخرجه أبو داود (رقم 3227)، والترمذي وقال: «حديث حسن» (رقم 320)، والنسائي (رقم 2043)، وابن ماجه (رقم 1575).

وهو من حديث شعبة بن الحجاج أيضًا، عن محمد بن جحادة، عن أبي صالح، عن ابن عباس.

وليس لأبي صالح عن ابن عباس حديثٌ سواه في إتحاف المهرة لابن حجر (7/ 18 - 19)، إلا ثلاثة أحاديث عند الدارقطني، كلّها من رواية الكلبي عن أبي صالح، وقد نبّه الدارقطني على كذب الكلبي فيها (سنن الدارقطني رقم 4227).

هذا ما يتعلّق بسماع أبي صالح من ابن عباس رضي الله عنهما.

د. حاتم الشريف 07 - 21 - 2006 03:33 Pm

--------------------------------------------------------------------------------

منزلته في الجرح والتعديل وخلاصة حاله

أما منزلته من الجرح والتعديل:

فالحقّ يُقال: إن من أعظم ما أضرّ بأبي صالح روايةُ الكلبي عنه لذلك التفسير الموضوع على ابن عباس رضي الله عنهما.

ولم يكتفِ الكلبي بذلك، حتى ادّعى أن أبا صالح قال له: «كل شيء حدثتك فهو كذب». (التاريخ الكبير للبخاري: 1/ 101، والأوسط: 3/ 399 رقم 609، والضعفاء: رقم 337، ومنتخب علل الخلال لابن قدامة: 127 رقم 60، والكامل لابن عدي: 2/ 69، 7/ 114، 115، والأسماء والصفات للبيهقي: رقم 875، 876).

وقد رُوي عنه هذا التكذيب بلفظ آخر مجمل، غير صريح بتكذيب أبي صالح، وهو أنه قال للثوري: «ما حدثت عني، عن أبي صالح، عن ابن عباس، فهو كذب، فلا تروه». (الجرح والتعديل 7/ 271، والمجروحين 2/ 254).

وسواءً أقال العبارة الأولى التي زعم أن أبا صالح اعترف له فيها بالكذب، أو قال الثانية التي تحتمل تكذيبه نفسه، فالكلبي نفسه كذّاب، ولا يجوز أن يُجْرح أحدٌ بكلام كذّاب.

ولذلك فما أحسن تصرّف البخاري عندما أورد هذه العبارة في ترجمة الكلبي، لا في ترجمة أبي صالح. للذي ذكرناه من أن الكلبي نفسه كذاب، ومن جهة أن الكلبي قد ملأ الدنيا بتفسيره المطوَّل المكذوب هذا، فما باله يحدّث بما عَرّفه شيخُه -بزعمه- أنه كَذِبٌ؟! ولماذا لم يمتنع عن رواية هذا التفسير الموضوع؟!!

وقد بيّن يحيى بن معين من يستحق التكذيب في هذه النسخة، حيث قال (كما سيأتي): «الكلبي إذا روى عن أبي صالح فليس بشيء؛ لأن الكلبي يحدّث به مَرّةً من رأيه، ومَرَّةً عن أبي صالح، ومَرَّةً عن أبي صالح عن ابن عباس. فإذا حدّث غير الكلبي عن أبي صالح: فليس به بأس».

ووازن هذين الموقفين المنصفين من عبارة الكلبي تلك بقول الجوزجاني في أحوال الرجال (رقم 64): «أبو صالح مولى أمّ هانئ، كان يقال له دُرُوزَن: غير محمود (ثم أسند إلى سفيان الثوري:) عن الكلبي، قال: قال أبو صالح: كل ما حدثتُك كذب».

فـ (غير محمود) لا تساوي في الدلالة اتّهامه بالكذب، فإن قصد أنه غير محمود لكنه غير كذاب: فعبارته موهمةٌ، لا تؤدّي هذا المعنى؛ إذ كيف يَسْتدل لكونه غير كذاب بوصفه بالكذب؟! وإن استدلّ لوصفه بالكذب بعبارة الكلبي، فهذا ما لا يُقبل؛ إذ كيف يُجرح أحدٌ بقول كذاب؟!

وأحسب الجوزجاني وصفه بهذا الوصف لكونه من شيعة علي رضي الله عنه؛ لأنه ذكره في شيعة الكوفة، كما أنّ أبا صالح قد وصفه الدولابي بأنه علوي، ومراده بذلك أنه ممن له ميلٌ إلى عليّ رضي الله عنه. وهذا سببٌ من أسباب انحراف الجوزجاني عنه، فإنه (كما هو معروف عنه) فيه مَيْلٌ زائدٌ عن شيعة علي رضي الله عنه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015