قال الشيخ: «قلت: قال الدارقطني: وضع لعمرو بن الحارث أكثر من مائة حديث، قلت: ولي الحكم بدمشق، ثم ولي قضاء الرَّملة، ثم سكن مصر، وحدث عن: يونس بن عبد الأعلى وغيره» ().

قلت: من العجب أن هذه الترجمة نقلها الشيخ من (تاريخ الإسلام) () وهي في (ميزان الاعتدال) ()، وما في (التاريخ) مما نقله الشيخ لا يوجد في (الميزان).

وهذا كما تقدم مراراً يدل على علو همته وسعة اطلاعه.

12 – قال الذهبي: «إسماعيل بن أبان الكوفي الغَنَوِي الخياط، لا الوَرَّاق، كذاب، عن هشام بن عروة» ().

قال الشيخ: «قال يحيى بن معين: كذاب، وضع حديثاً عن علي: «السابع من ولد العباس، يلبس الخضرة» يعني المأمون» ().

قلت: قال الخطيب: أخبرني الحسين بن علي الصَيْمَري، حدثنا علي بن الحسن الرازي، حدثنا محمد بن الحسين الزَّعفراني، حدثنا أحمد بن زهير، قال سمعت يحيى بن معين، يقول: وضع إسماعيل بن أبان الغَنَوي، حديثاً عن فِطر، عن أبي الطُّفيل، عن علي، قال:

«السابع من ولد العباس يلبس الخضرة» حديثاً لم يكن منه شيء» ().

وقد ذكر هذا الحديث من صنَّف في الموضوعات كالسيوطي ()، وابن عرَّاق () وغيرهما.

وقد أجمع أهل الحديث على أن إسماعيل بن أبان الغَنَوي متروك الحديث، ويضع الحديث على الثقات ().

الحادي عشر: تنبيه الشيخ على بعض مناهج المحدثين.

مثاله: قال الذهبي: «ق: دَارِمْ، عن سعيد بن أبي بردة، لا يُعرف، وثقه ابن حبان» ().

قال الشيخ: «قلت: هو مجهول، وابن حبان يقبل رواية المجهولين، لأن عنده أن الأصل العدالة، قاله: سليمان» ().

قلت: هو مجهول كما قال الشيخ؛ تفرد بالرواية عنه أبو إسحاق السبيعي، قال الحافظ: «له في ابن ماجه حديث واحد» ().

وتوثيق ابن حبان لهذا الراوي ليس بغريب، فقد عرف عنه توثيق المجاهيل، وفي ذلك يقول: «من كان منكر الحديث على قلته لا يجوز تعديله إلا بعد السبَّر، ولو كان ممن يروي المناكير، ووافق الثقات في الأخبار، لكان عدلاً مقبول الرواية، إذ الناس أقوالهم على الصلاح والعدالة، حتى يتبين منهم ما يُوجب القدح، هذا حُكم المشاهير من الرواة. فأما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء، فهم متروكون على الأحوال كلها» ().

قال الحافظ ابن حجر متعقباً عليه: «قلت: وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان، من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه، كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه، مذهب عجيب،والجمهور على خلافه.

وهذا هو مسلك ابن حبان في كتاب «الثقات» الذي ألفه، فإنه يذكر خلقاً ممن ينص أبو حاتم وغيره، على أنهم مجهولون، وكأن عند ابن حبان: أن جهالة العين ترتفع برواية واحدٍ مشهور، وهو مذهب شيخه ابن خزيمة، ولكن جهالة حاله باقية عند غيره ().

وقد أفصح ابن حبان بقاعدته فقال: العدل من لم يُعرف فيه الجرح، إذ التجريح ضد التعديل، فمن لم يُجرح فهو عدل حتى يتبين جرحه، إذ لم يُكلَّف الناس ما غاب عنهم» ().

وقد تكلم الشيخ المعلمي، على توثيق ابن حبان بكلام نفيس، حيث قال: «والتحقق أن توثيقه على درجات:

الأولى: أن يصرح به كأن يقول: «كان متقناً»،أو «مستقيم الحديث» ونحو ذلك.

الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم.

الثالثة: أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث، بحيث يُعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة.

الرابعة: أن يظهر من سياق كلامه أنه قد عَرَفَ الرجل معرفة جيدة.

الخامسة: ما دون ذلك.

فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة، بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم،والثانية قريب منها، والثالثة مقبولة، والرابعة صالحة، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل، والله أعلم» ().

قال شيخنا الألباني معلقاً: «هذا تفصيل دقيق يدل على معرفة المؤلف رحمه الله، وتمكنه من علم الجرح والتعديل، وهو مما لم أره لغيره، غير أنه قد ثبت لديَّ بالممارسة، أن من كان منهم من الدرجة الخامسة، فهو على الغالب مجهول لا يُعرف،ويشهد بذلك صنيع الحفاظ، كالذهبي، وابن حجر، وغيرهما من المحققين، فإنهم نادراً ما يعتمدون على توثيق ابن حبان وحده ممن كان في هذه الدرجة، بل والتي قبلها أحياناً» ().

والخلاصة أن توثيق ابن حبان، يجب أن يُتلقَّى بكثيرٍ من التحفظ والحذر، لمخالفته العلماء في توثيقه للمجهولين ().

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015