وهذا أمر متفق عليه بين جميع المسلمين، لا يتنازعون في أن هذه الكتب فيها هذا،وفيها هذا، بل نفس الكتب المصنفة في الحديث والآثار، فيها هذا وهذا، وكذلك الكتب المصنفة في التفسير، فيها هذا وهذا، مع أن أهل الحديث أقرب إلى معرفة المنقولات،وفي كتبهم هذا وهذا، فكيف غيرهم؟

والمصنفون قد يكونون أئمة في الفقه، أو التصوف، أو الحديث، ويروون هذا تارة، لأنهم لم يعلموا أنه كذب، وهو الغالب على أهل الدين، فإنهم لا يحتجون بما يعلمون أنه كذب، وتارة يذكرونه وإن علموا أنه كذب، إذ قصدهم رواية ما رُوي في ذلك الباب.

ورواية الأحاديث المكذوبة، مع بيان أنها كذب، جائز، وأما روايتها مع الإمساك عن ذلك، رواية عمل فإنه حرام عند العلماء، وقد فعل ذلك كثير من العلماء متأولين أنهم لم يكذبوا، وإنما نقلوا ما رواه غيرهم،وهذا يسهل؛ إذ رووه ليعرف أنه رُوي، لا لأجل العمل به والاعتماد عليه» ().

وقال أيضاً: «وما يرويه أبو بكر الخطيب، وأبو الفضل بن ناصر، وأبو موسى المديني، وأبو القاسم ابن عساكر، والحافظ عبد الغني، وأمثالهم ممن لهم معرفة بالحديث، فإنهم كثيراً ما يروون في تصانيفهم، ما رُوي مطلقاً على عادتهم الجارية؛ ليعرف ما رُوي في ذلك الباب، لا ليحتج بكل ما رُوي، وقد يتكلم أحدهم على الحديث، ويقول: غريب،ومنكر،وضعيف، وقد لا يتكلم» ().

وقال أيضاً وهو يتكلم عن ما يرويه أبو نعيم في «الحلية»:

«هو وأمثاله يروون ما في الباب، لأن يُعرف أنه قد رُوي، كالمفسر الذي ينقل أقوال الناس في التفسير، والفقيه الذي يذكر الأقوال في الفقه، والمصنف الذي يذكر حجج الناس ليذكر ما ذكروه،وإن كان كثير من ذلك لا يعتقد صحته، بل يعتقد ضعفه، لأنه يقول: إنما نقلت ما ذكر غيري، فالعهدة على القائل، لا على الناقل» ().

وقال أيضاً وهو يتكلم عن الحافظ أبو عبد الله الضياء المقدسي:

«وهو أيضاً ممن يروي في الباب على عادة أمثاله، و يجعلون العهدة في ذلك على الناقل» ().

وقال الإمام ابن جرير الطبري في مقدمة «تاريخه»:

«وليعلم الناظر في كتابنا هذا، أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه، إنما هو على ما رويت من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه،والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه، فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين، مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يَعرف له وجهاً في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يُؤتَ في ذلك من قبلنا، وإنما أُتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنما أَدَّينا ذلك على نحو ما أُدِّي إلينا» ().

وقال الحافظ ابن حجر وهو يترجم للطبراني:

«وقد عاب عليه إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي، جمعه الأحاديث الأفراد، مع ما فيها من النكارة الشديدة والموضوعات، وفي بعضها القدح في كثير من القدماء من الصحابة وغيرهم.

وهذا أمر لا يختص به الطبراني، فلا معنى لإفراده باللَّوم، بل أكثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مئتين وهلُمَّ جَرا، إذا ساقوا الحديث بإسناده، اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته» ().

وقال الحافظ العراقي بعد أن ذكر حديثاً باطلاً لأُبي بن كعب:

«وكل من أودع حديث أُبي المذكور تفسيره، كالواحدي،والثعلبي، والزمخشري، مخطئ في ذلك، لكن من أبرز إسناده منهم، كالثعلبي والواحدي، فهو أبسط لعذره، إذ أحال ناظره على الكشف عن سنده، وإن كان لا يجوز له السكوت عليه من غير بيانه، وأما من لم يُبرز سنده، وأورده بصيغة الجزم، فخطؤه أفحش كالزمخشري» ().

قال الحافظ ابن حجر معلقاً على كلام شيخه العراقي:

«قلت: والاكتفاء بالحوالة على النظر في الإسناد، طريقة معروفة لكثير من المحدثين، وعليها ما صدر من كثير منهم، من إيراد الأحاديث الساقطة معرضين عن بيانها صريحاً،وقد وقع هذا لجماعة من كبار الأئمة،وكان ذكر الإسناد عندهم من جملة البيان» ().

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015