هذا الحديث هو في الحقيقة ليس الخطأ فيه فقط من ابن الجوزي، بل سبقه إلى ذلك والذي اعتمد عليه في الحكم بالوضع هو ابن حبان، هو حديث أبي هريرة مرفوعًا إلى النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ?? إِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ أَوْشَكَ أَنْ تَرَى قَوْمًا يَغْدُونَ فِي سَخَطِ اللهِ وَيَرُوحُونَ فِي لَعْنَتِهِ، فِي أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ??.

يعني يشير بذلك إلى الشُّرَط. هذا الحديث ذكره ابن الجوزي في كتابه برقم [1544] وأورده الإمام مسلم في الصحيح.

سبب خطأ ابن الجوزي: أن هذا الحديث أورده ابن حبان في ترجمة راوٍ اسمه أفلح بن سعيد، وأفلح بن سعيد هذا بالفعل ضعيف، ثم لما أورده ابن حبان في ترجمة أفلح بن سعيد قال عقب الحديث: وهذا خبر بهذا اللفظ باطل، وأفلح كان يروي عن ثقات الموضوعات ولا يحل الاحتجاج به.

--------------------------------------------------------------------------------

ولكن لم ينتبه ابن حبان ولا ابن الجوزي: أن لهذا الحديث طرقًا أخرى بنفس هذا اللفظ صحيحة، وهي التي أخرجها مسلم في صحيحه، ليس فيها علة هذا الراوي، ولذلك هذا الحديث تعقبه الحافظ ابن حجر في كتابه " القول المسدَّد "؛ لأن هذا الحديث أخرجه مسلم والإمام أحمد، و" القول المسدد " هو في الذب عن مسند الإمام أحمد، يعني إيراد الأحاديث الموضوعة التي حكم عليها ابن الجوزي بالوضع وهي في مسند أحمد، وبين أنه في " صحيح مسلم " وفي " مسند أحمد "، ثم قال رادًّا على ابن الجوزي، يعني وصف تصرف ابن الجوزي قال: وإنه غفلة شديدة.

يعني: أن ابن الجوزي غفل غفلة شديدة، أخطأ خطأً شديدًا؛ حيث أورد هذا الحديث الصحيح في كتابه الذي خصه بالموضوعات؛ وهذا أحد أكبر الأسباب التي يتكئ عليها من يصف ابن الجوزي بالتسرع في الحكم بالوضع، أنه أخرج حديثًا في " صحيح مسلم " في " الموضوعات " حاكمًا عليه بالوضع، وقلنا عذره أنه قلد في ذلك ابن حبان، وابن حبان أورده من طريق فيه ضعف، لكن مسلمًا أورده من طرق أخرى سالمة من هذا الراوي الضعيف أو المتكلَّم فيه.

الكلمة الثالثة في عنوان " صحيح مسلم ": " المختصر " من المسند الصحيح المختصر.

وهذا أيضًا - كما نذكر دائمًا - رد على من يدعي أن مسلمًا أراد استيعاب الصحيح أو أنه ألف هذا الكتاب وكان تأليفه له سببًا أن يقول أهل البدع بأن كل ما في خارج هذا الصحيح ليس بصحيح عند مسلم، فمسلم يصرح الآن أنه مختصر، فما هناك داعٍ لدعوى أنه يطرق لأهل البدع أن يدعوا بأن ما ليس في الصحيح لا يكون صحيحًا لعدم إخراج مسلم له فيه.

عدد أحاديث " صحيح مسلم " ما دمنا نتكلم عن الاختصار والعدد: ثلاث آلاف وثلاثة وثلاثين حديث؛ بغير تكرار.

كم عدد الأحاديث في " صحيح البخاري " بغير تكرار؟

- ألفان وستمائة واثنين.

إذًا أيهما أكبر وأكثر عددًا؟

--------------------------------------------------------------------------------

مسلم؛ وهذه مزية ولا شك لمسلم، وهذه المزية تذكرنا من باب الإنصاف لمسلم أنه ما دام عدد أحاديثه أكثر، هذا لا شك سيكون داعٍ لأن تكون عدد الأحاديث المنتقدة عليه أكثر؛ طبيعي، وهذا يجب أن يوضع في الاعتبار من أجل أن ننصف مسلمًا ولا نبخسه شيئًا من حقه، فكون الرجل تصدى لإخراج عدد أكبر من الأحاديث، هذا داعٍ لأن يكون عدد الأحاديث المنتقدة عليه أكثر، وقد بينا لكم من خلال كتاب الدار قطني نفسه أن العدد إن لم يكن مسلم مساوٍ للبخاري فربما كان البخاري أكثر أحاديث منتقدة في التتبع، حتى تعرفوا أن القضية تحتاج إلى دراسة واسعة حتى نَخرج إلى قول منصِف لكلا الإمامين، ولا فَرْق عندنا بين البخاري ومسلم، كلاهما إمام، وكلاهما نُجِلُّه، وكلاهما نعظِّمُه، وليس هناك عندنا عصبية لواحد منهما على الآخر، بل مُبْتَغانَا هو الحق ومعرفة الصحيح والصواب في هذه المسائل، وإن كنا في الإجمال – يعني المتقَرِّر في القلب – أن البخاري أرجح من مسلم، لو لم يكن في ذلك إلا ما يُقِرُّ به مسلم أن البخاري أعلم منه لكفى في ذلك دليلًا على تقديم البخاري على مسلم.

قلنا عدد الأحاديث بغير تكرار: ثلاث آلاف وثلاثة وثلاثون، بالتكرار: سبعة آلاف وثلاثمائة وثمانية وثمانون.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015