أما البخاري فربما فعل شيئًا آخر يقول بالإسناد: " حدثنا همام بن منبه عن أبي هريرة. . " يذكر أول حديث من هذه النسخة ثم يذكر الحديث الذي يريد أن يستدل به؛ هذه طريقة عند الإمام البخاري في إيراده لهذه النسخة، أو أن يكتفي فقط بالحديث التي يريد أن يحتج بها.
--------------------------------------------------------------------------------
فتصرف مسلم لا شك أنه أوضح وأدق من تصرف الإمام البخاري في هذه المسألة.
الكلمة الثانية في العنوان " الصحيح ":
ولا شك أن هذا تصريح منه بشرط كتابه، وأنه يشترط ألا يورد فيه إلا الأحاديث الصحيحة.
وهناك أيضًا عبارة أخرى في كتابه غير المقدمة؛ ميزة الإمام مسلم أن له مقدمة، فنحن لسنا مضطرين فقط إلى أخذ شرطه من عنوان الكتاب، بل أيضًا مقدمة " صحيح مسلم " مليئة ببيان شرطه في كتابه.
لكن أيضًا حتى في أثناء الكتاب له عبارة تبين منهجه وهي عبارة مهمة ويجب أن نقف عندها: لما سُئل عن حديث ??إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا?? أو ??إِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا?? سُئل عن هذا الحديث في صحيحه؛ لأنه رواه من حديث أبي موسى بهذه اللفظة، وسُئل عن هذه اللفظة التي وردت أيضًا في حديث أبي هريرة؟
فقال: " هو عندي صحيح ".
فقال له السائل: لِمَا لم تضعه هاهنا؟ أي ما دام أنه صحيح لِمَا لم تدخله في صَحِيحك؛ حديث أبي هريرة ??إِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا??؟
فقال الإمام مسلم: وهذا الكلام كله في " صحيح مسلم " كما هو معروف قال: " ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، إنما وضعتُ هاهنا ما أَجْمَعُ عليه ".
هذه كلمة مهمة في بيان شرط مسلم في كتابه؛ لأنها تبين أنه قد يترك بعض الأحاديث لأنها مما لم يُجمع عليه، ومنها حديث أبي هريرة الذي ذكره.
الذي نحتاج للوقوف عنده: ما معنى قوله في هذه العبارة " إنما وضعت هاهنا ما أجمع عليه "؟ لأنها عبارة فيها شيء من الإشكال، نحن نقرر أن هناك أحاديث انتُقِدت على البخاري ومسلم، فما هو مقصود الإمام مسلم بهذه العبارة؟
هناك عدة فُهوم ذُكرت في الكتب التي تكلمت عن شرط مسلم:
الرأي الأول: منهم من قال بأن هذا على ظاهره، وأن مسلمًا يرى أن العلماء أجمعوا على صحة هذا الحديث إجماعًا أُصوليًّا كاملًا؛ هذا هو الرأي الأول.
--------------------------------------------------------------------------------
الرأي الثاني؛ وهو قريب من السابق: أنه إجماع أئمة الحديث، كأنه يريد أن يُخرج الفقهاء أو الأصوليين أو ما شابه ذلك، يقول: ما أَجْمَع أئمةُ الحديث على صحة هذه الأحاديث؛ هذا الرأي الثاني.
الرأي الثالث؛ قالوا: إنه أراد أربعة من أئمة الحديث خاصة، أنهم إذا اتفقوا على صحة الحديث أَخَرج هذا الحديث، واختلفوا في هؤلاء الأربعة:
فهناك قول يقول إنهم: ابن معين، وأحمد، وعثمان بن أبي شيبة، وسعيد بن منصور؛ هذا قول.
والقول الثاني أنهم: ابن معين، وأحمد، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازي.
الرأي الرابع: أنه ذَكَر ما اجتمعت فيه شرائط القبول، يعني يقول: " إنما ذكرت في هذا الكتاب الأحادي التي اجتمعت فيها شروط الصحة "، أو الشروط التي أجمعوا على وجودها أو اشتراط وجودها، الشروط التي أجمعوا على أن الحديث لا يُصحح إلا بوجودها، فإذا كان الحديث صحيحًا لكن على شرط لم يُتفق عليه لا يخرجه في الصحيح، إنما يذكر ما صح بالشروط المتفَق عليها؛ هذا قول.
الرأي الخامس، أنهم قالوا: أنه يريد ما لم يختلف فيه الثقات، أنه يخرج الأحاديث التي لم يقع فيها اختلاف؛ لا في متنها ولا في إسنادها.
لكن - في الحقيقة - هذه الأقوال كلها في رأيي فيها شيء من النظر، وسأُبين لكم الآن باختصار النظر في هذه الأمور:
فمثلًا بالنسبة للذين يقولون إن شيوخه عامة وأئمة الحديث، ذكرنا أن هناك علماء للحديث خالفوه في بعض الأحاديث، وبعضهم عرف انتقادتهم ويسمع بها ويعرفها - ولا شك -، فلا يمكن أن يكون مقصوده إجماع العلماء بهذا المعنى.
الشيء الثاني الذي يرد على بعض هذه الأقوال قضية من قال بأنه يريد الشروط التي قد اجتُمِع عليها.
--------------------------------------------------------------------------------
¥