يعني: الآن قد يكون الراوي في الأصل مقبول الرواية، لنفترض مثلًا أضرب لكم مثال واقعي حتى نقرب الصورة أن هناك شخصًا تتلمذ على أحد العلماء فترة طويلة جدًا أو تلامذة كثيرون تتلمذوا على أحد المشايخ المشهورين سنوات طويلة، وهم أعرف الناس بأقواله وآرائه، ثم جاءنا في يوم من الأيام أحد الناس الثقة نثق في دينه ونقله وضبطه وكل شيء، لكنه نقل لنا فتوى عن هذا العالم لم ينقلها أحد من تلامذته الملازمين له، وهذا الشخص نعرف أنه ما لقي هذا العالم إلا مرة أو مرتين، ولقيه في مجلس عام أيضًا ليس في مجلس خاص مثلًا هل يمكن نقبل منه هذه الرواية هذا النقل؟

- ما يمكن. نحمله على الكذب؟ لا؛ هو صادق.

إذن نحمله على أَيْش؟

--------------------------------------------------------------------------------

- الوهم والخطأ، أخطأ. هذا هو تفرد الراوي أن يتفرد الراوي بحديث ويقع في ضبطه وإتقانه ما يجبر تفرده؛ كأن يأتي رجل إلى الزهري، والزهري إمام مشهور كان يُقْصَد من كل مكان له تلامذة كثيرون لازموه حضرًا وسفرًا كما ذكرنا، وهذا الشخص لم يلق الزهري إلا يوم أو يومين أو في مجلس أو مجلسين، ثم ينفرد عن الزهري بحديث لا يرويه أحد من تلامذة الزهري إلا هو، ما في مخالفة، هو ينفرد بحديث أصل، لو كان مخالفة كان يرجع للصور الأولى، لا، هو ينفرد بحديث لا يشاركه في أصل روايته أحد، ففي مثل هذه الحالة يشك العلماء في صحة نقل هذا الراوي ولو كان هذا الراوي عدلًا ضابطًا؛ لأن تفرده هذا يوقع الريبة في صحة نقله.

هذا هو القسم الثاني من الشاذ، وهذا ليس من العلة؛ لأنه لا يدرك من خلال جمع الطرق، وهذا هو الذي يريده ابن الصلاح من اشتراط الشذوذ في الحديث الصحيح ليش نقول هذا؟ لأننا نريد أن نقول بأن هذا هو الشرط أيضًا يشترطه البخاري في أحاديث كتابه: ألا ينفرد من لا يقع في ضبطه وإتقانه ما يجبر تفرده، أما مخالفة المقبول لمن هو أولى منه: فهي داخلة ضمن اشتراط عدم العلة؛ لأنه من العلل، مخالفة الراوي المقبول لمن هو أولى منه هذا من أقسام العلل القادحة، فهي مشترطة بقولنا: ولا يكون مُعلًا، خلاص انتهينا من هذه الصورة يبقى الصورة الأولى إذا ما فسرنا الشاذ بهذا التفسير يبقى فيه طعن في الصحيح من جهة أنه هناك أحاديث تصحح وهي في الأصل أو في قواعد المحدثين يجب أن تكون مردودة لأنها لم يقع في ضبط راويها ما يجبر روايته التي تفرد بها، واضح.

رواية السجود: مثل رواية محمد بن حسن عن أبي الزناد التي تفرد بها وأبو الزناد إمام مشهور من أئمة أهل المدينة وله تلامذة كثيرون وتفرد به رجل كان يسكن البادية وليس معروفًا بصحبة أبي الزناد فهذا داعي رد روايته، وأمثلة ذلك كثيرة وهناك مقالات قرأتها في هذا الموضوع.

--------------------------------------------------------------------------------

على كل حال لا نريد أن ندخل في تفاصيل هذه المسألة.

المهم أن نعرف أن الشاذ المقصود بالتعريف ليس هو الشاذ الذي عَرَّفه به الحافظ بن حجر، وإنما هو القسم الثاني من الشاذ الذي ذكره ابن الصلاح، وهذا لا شك أنه شرط في الصحة وقد أعلَّ الإمام البخاري أحاديث فيما نقل عنه الترمذي وفي كتابه التاريخ الكبير بالتفرد فدلَّ ذلك على أن هذا شرطًا عنده في قبول الحديث أن الراوي إذا تفرد ولم يقع في ضبطه وإتقانه ما يجبر تفرده أن هذا داعٍ لرد الحديث، وما دام أن الإمام البخاري كان متبع لهذا المنهج فلا يمكن أن يصحح حديثًا هو نفسه يعل ما شابهه ونَاظَره لتحقق هذا النوع من أنواع الشذوذ فيه.

يبقى الشرط الأخير: اشتراط " عدم العلة ".

لاشك أيضًا أن هذا الشرط واضح عند جميع المحدثين وقد ملأ الإمام البخاري كتابه التاريخ الكبير ببيان العلل وبرد الأحاديث بأمثال هذه العلل، وهذا أمر لا يخفى على الإمام البخاري، وسيأتي أنه حتى في صحيحه نبه على بعض العلل في صحيحه، لكن قبل أن نأتي للأمثلة نذكر عبارة للحَاكِم فيها شيء من الإشكال لأنه ما دام تطرقنا للكلام عن العلل لابد أن نذكر الأشياء التي قد يتمسك بها من يظن أن الإمام البخاري لم يشترط هذا الشرط، لمَّا ألَّف الإمام الحاكم أبو عبد الله كتابه المستدرك على الصحيحين والذي سيأتي الكلام عنه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015