وبعد أن ثبت الحديث بهذه الأسانيد الصحيحة عن هؤلاء الصحابة الثلاثة: أبي هريرة , وأبي سعيد الخدري , وأنس , ثبوتاً لا مجال لرده ولا للتشكيك فيه , كما ثبت صدق أبي هريرة رضي الله عنه في روايته إياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافاً لبعض غلاة الشيعة من المعاصرين , ومن تبعهم من الزائغين , حيث طعنوا فيه رضي الله عنه لروايته إياه , واتهموه بأنه يكذب فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم , وحاشاه من ذلك , فهذا هو التحقيق العلمي يثبت أنه برئ من كل ذلك , وأن الطاعن فيه هو الحقيق بالطعن فيه , لأنهم رموا صحابياً بالبهت , وردوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجرد عدم انطباقه على عقولهم المريضة , وقد رواه عنه جماعة من الصحابة كما علمت.

وليت شعري هل علم هؤلاء بعدم تفرد أبي هريرة بالحديث – وهو حجة ولو تفرد – أم جهلوا ذلك؟

فإن كان الأول , فلماذا يتعللون برواية أبي هريرة إياه , ويوهمون الناس أنه لم يتابعه أحداً من الأصحاب الكرام؟

وإن كان الآخر , فهلا سألوا أهل الاختصاص والعلم بالحديث الشريف؟

وما أحسن ما قيل:

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة .......... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

ثم إن كثيراً من الناس يتوهمون أن هذا الحديث يخالف ما يقرره الأطباء , وهو أن الذباب يحمل بأطرافه الجراثيم , فإذا وقع في الطعام أو في الشراب , علقت به تلك الجراثيم.

والحقيقة أن الحديث لا يخالف الأطباء في ذلك , بل هو يؤيدهم , إذ يخبر أن في أحد جناحيه داء , ولكنه يزيد عليهم فيقول (و فِي الْأُخْرَى شِفَاءً) , فهذا مما لم يحيطوا بعلمه , فوجب عليهم الإيمان به إن كانوا مسلمين , وإلا , فالتوقف إذا كان من غيرهم إن كانوا عقلاء علماء، ذلك لأن العلم الصحيح يشهد أن عدم العلم بالشئ لا يستلزم العلم بعدمه.

نقول ذلك على افتراض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث بالصحة , وقد اختلفت آراء الأطباء حوله , وقرأت مقالات كثيرة في مجلات مختلفة , كل يؤيد ما ذهب إليه تأييداً أو رداً.

ونحن , بصفتنا مؤمنين بصحة الحديث , وأن النبي صلى الله عليه وسلم (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم 3 , لا يهمنا كثيراً ثبوت الحديث من وجهة نظر الطب , لأن الحديث برهان قائم في نفسه , لا يحتاج إلى دعم خارجي.

ومع ذلك , فإن النفس تزداد إيماناً حين ترى الحديث الصحيح يوافقه العلم الصحيح , ولذلك فلا يخلو من فائدة أن أنقل إلى القراء خلاصة محاضرة ألقاها أحد الأطباء في جمعية الهداية الإسلامية في مصر حول هذا الحديث , قال:

(يقع الذباب على المواد القذرة المملوءة بالجراثيم التي تنشأ منها الأمراض المختلفة , فينقل بعضها بأطرافه , ويأكل بعضاً , فيتكون في جسمه من ذلك مادة سامة يسميها علماء الطب (مبعد البكتيريا) , وهي تقتل كثيراً من جراثيم الأمراض , ولا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية , أو يكون لها تأثير في جسم الإنسان في حال وجود (مبعد البكتيريا) , وإن هناك خاصية في أحد جناحي الذباب , هي أنه يحول البكتيريا إلى ناحيته , وعلى هذا , فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام , وألقى الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب , فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم , وأول واقٍ منها هو (مبعد البكتيريا) الذي يحمله الذباب في جوفه قريباً من أحد جناحيه , فإذا كان هناك داء , فدواؤه قريب منه , وغمس الذباب كله وطرحه كاف لقتل الجراثيم التي كانت عالقة , وكاف في إبطال عملها).

وقد قرأت قديماً في هذه المجلة بحثاً ضافياً في هذا المعنى للطبيب الأستاذ سعيد السيوطي (مجلد العام الأول) , وقرأت في مجلد العام الفائت (503) كلمة للطبيبن محمود كمال ومحمد عبدالمنعم حسين , نقلاً عن (مجلة الأزهر).

ثم وقفت على العدد (82) من (مجلة العربي) الكويتية (144) تحت عنوان: (أنت تسأل ونحن نجيب) بقلم المدعو عبدالوارث الكبير , جواباً على سؤال عما لهذا الحديث من الصحة والضعف؟ فقال:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015