(?) - يقول الحافظ ابن حجر (رحمه الله): والحاصل من كلامهم أن الخليلي يسوي بين الشاذ والفرد المطلق فيلزم على قوله أن يكون في الشاذ الصحيح وغير الصحيح فكلامه أعم، وأخص منه كلام الحاكم لأنه يقول: إنه تفرد الثقة فيخرج تفرد غير الثقة، فيلزم على قوله أن يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ، وأخص منه كلام الشافعي، لأنه يقول: إنه تفرد الثقة بمخالفة من هو أرجح منه، ويلزم عليه ما يلزم على قول الحاكم، لكن الشافعي صرح بأنه مرجوح، وأن الرواية الراجحة أولى، لكن هل يلزم من ذلك عدم الحكم عليه بالصحة؟ محل توقف اهـ (النكت 2/ 652 – 653).

أقول: فيه أمور لا بد من التأمل فيها، أولا: إن الخليلي لم يسو بين الشاذ والفرد المطلق كما سبق تحقيقه. وثانيا: إن الحاكم لم يعرف الشاذ بما يشمل الغريب الصحيح، وإنما عرفه بما يخرجه منه، واستشهدنا عليه بقوله، فإذا هو الآن يعقب على تعريف الحاكم بقوله:" إنه يلزم عليه أن يكون في الصحيح الشاذ وغيره "، وثالثا: إن الشاذ عند الشافعي مردود وغير محتج به، كما سبق تحقيقه، لأنه اشترط في الخبر المحتج به عدم المخالفة لما رواه الناس، فلا مجال للتساؤل هل يلزم منه عدم الحكم عليه بالصحة أو لا؟

--------------------------------------------------------------------------------

ومن الجدير بالذكر في هذه المناسبة أنه قد يرد لفظ الشاذ في نصوص بعض الأئمة، مثل الخليلي، والحاكم والبيهقي في غير ما ذكروا من المعنى، ألا وهو مجرد الغرابة، فكما يقال هذا حديث غريب صحيح يقال هذا شاذ صحيح، ومعنى الشاذ هنا غريب فقط (?).

وعلى العموم فالحديث الشاذ مردود لدى الجميع، ولا يعني بما سبق من اختلافهم في التعريف أن كل واحد منهم يصحح الحديث الشاذ حسب تعريف الآخر، ولا يرده إلا إذا كان حسب تعريفه، فإنهم ليسوا على حدود أهل المنطق. والله أعلم.

وبقي لنا شيء آخر يقتضي منا النظر فيه، وهو ما ذكره ابن الصلاح تلخيصا لموضوع الشاذ.

تلخيص ابن الصلاح لموضوع الشاذ

يقول ابن الصلاح (رحمه الله تعالى)

’’إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه: فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا،

وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد، فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به، ولم يقدح الانفراد فيه، كما سبق من الأمثلة،

وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده خارجا له مزحزحا له عن حيز الصحيح، ثم هو بعد ذلك بين مراتب متفاوتة بحسب الحال،

فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف،

وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر.

فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان:

أحدهما الحديث الفرد المخالف،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015