وأما العلامة ابن الزملكاني فعالج مسألة هذا التعارض من جهة وجود تناف وعدمه، فذهب إلى تفريقه بين مسألة التعارض في الوصل والإرسال، ومسألة التعارض في الوقف والرفع، حين قال بأن الوصل مقبول لعدم وجود تناف بينه وبين الإرسال بالنسبة إلى ما يخص المتن، حيث تتفق الروايتان على رفعه، بخلاف الأمر في التعارض بين الرفع والوقف، فإن بينهما تنافيا في ذلك، فلذا لا يقبل الرفع.

وفي حالة وجود اختلاف بين الرواة في الزيادة والنقص في المتن، ينبغي النظر فيما صدر عن شيخهم: هل ذكر المتن بالزيادة أو بدونها، فالحكم على تلك الزيادة بقبولها أو بردها ينبغي أن يكون على معرفة أسباب هذا الاختلاف، قد يكون سببه وهما أو تلفيقا، أو رواية بالمعنى، وقد يكون سببه ما ذكره الخطيب، وأما أن يكون ذلك على أساس وجود التنافي وعدمه، - أي إذا كانت الزيادة تتنافى مع ما رواه الآخرون فترد، وإلا فتقبل مطلقا - فأمر يستبعده الذوق الحديثي.

وننهي هذا الموضوع بشرح سريع لمعنى قولهم (كثر تعليل الوصل بالإرسال، وتعليل الرفع بالوقف).

--------------------------------------------------------------------------------

معنى قولهم (كثر تعليل الوصل بالإرسال وتعليل الرفع بالوقف)

قد يخيل إلى من يقرأ قولهم (كثر تعليل الوصل بالإرسال وتعليل الرفع بالوقف) أن الإرسال يكون هو الراجح عند اختلاف الرواة في الوصل والإرسال، كما يترجح الوقف على الرفوع، لكن الأمر الواقع هو أن الإرسال أو الوقف لم يكن بمجرده معيارا لتعليل الموصول ولا المرفوع، ولذا ينبغي فهم هذا النص في ضوء منهج النقاد في مجال التعليل والتصحيح.

ومن المعلوم أن الحديث المتصل يكون معلولا إذا خالف المرسل لكونه هو المشهور بين الثقات أو الأمر الثابت، وكما أن إرسال بعض الرواة لا يقدح فيما روى الآخر متصلا، لكن فقط إذا ثبت عن شيخهم أنه قد روى أيضا متصلا.

وكذا الأمر في الرفع والوقف، فإنه يعل الرفع إذا تبين للناقد من خلال ما لديه من خلفيات علمية واسعة أن هذا الرفع وهم من الراوي، والصحيح عن الشيخ وقفه على التابعي أو غيره، ولذا فإنه لا بد من التفطن إلى أن التعليل والترجيح دائما يدوران على ما يحيط بالحديث من قرائن علمية.

ولما كان وصل المرسل أو رفع الموقوف كثير الوقوع من الثقات والضعفاء، لسهولة الانتقال إليهما على الألسنة كالجادة، بخلاف الإرسال والوقف، قالوا: ’’كثر تعليل الوصل بالإرسال وتعليل الرفع بالوقف‘‘، يعني بذلك أن أكثر الأخطاء التي يقع فيها الرواة الثقات والضعفاء المقبولون هو وصل المرسل بل رفع الموقوف.

ومن تتبع كتب العلل وجد صورا عديدة لظاهرة الاختلاف بين الرواة، مرة في الوصل والإرسال، وأخرى في الرفع والوقف، وثالثة في الزيادة والنقص، أو غير ذلك، وبدراسة صورة من صور الاختلاف دراسة نقدية يتبين أنها لا تخرج عن مضمون مصطلح من المصطلحات الآتية: الشاذ، والمنكر، والمدرج، والمقلوب، والمصحف، والمضطرب، ولهذا أصبح الترابط بين هذه المصطلحات والعلة جليا، وفي الفقرات الآتية يأتي مصطلح الشاذ.

الشاذ

--------------------------------------------------------------------------------

الشذوذ معناه في اللغة التفرد (1) أما في الاصطلاح فقد اختلفوا قديما في تحديد مدلوله، غير أنهم اتفقوا في الحكم عليه بالرد.

وجدير بالذكر أن لفظة "الشاذ" لم يقع إطلاقها في مصادر العلل، في حدود تتبعي لها، والذي كثر إطلاقه فيها عوضا عن هذا المصطلح هو لفظ "الوهم" و"الخطأ" و "غير محفوظ" وأحيانا "المنكر".

قال الخليلي: ’’وأما الشواذ فقد قال الشافعي وجماعة من أهل الحجاز: الشاذ عندنا ما يرويه الثقات على لفظ واحد ويرويه ثقة خلافه زائدا أو ناقصا، والذي عليه حفاظ الحديث، الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ، ثقة كان أو غير ثقة فما كان من غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان من ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به‘‘ اهـ (2).

وقال الحاكم: الشاذ غير المعلول فإن المعلول ما يوقف على علته: أنه دخل حديث في حديث، أو وهم فيه راو أو أرسله واحد فوصله واهم، فأما الشاذ فإنه حديث يتفرد به ثقة من الثقات وليس للحديث أصل بمتابع لذلك الثقة (3).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015