حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ منها، اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن، فيصلي ركعتين خفيفتين.

وأخرجه مالك في ((الموطأ)) (ج1 ص 364) مع (شرح الزرقاني) وأبو داود (ج2 ص 84) والترمذي (ج2 ص 303) والبيهقي في ((سننه الكبرى)) (ج3 ص44) وقال: رواه مسلم عن يحيى بن يحيى، كذا قاله مالك والعدد أولى بالحفظ من الواحد وقد يحتمل أن يكونا محفوظين، فنقل مالك أحدهما، ونقل الباقون الآخر.

قلت: بل شذ مالك كما قال البيهقي أولاً، كيف ومالك لا يرى الاضطجاع بعد ركعتي الفجر؟ وكذلك إذا شك حذف. وأما الاحتمال الآخر ففيه أحاديث أخرى، وستأتي إن شاء الله.

ومالك قد خالف أصحاب الزهري في ذكر الاضطجاع، فهم يذكرون الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، وهو يذكره بعد الوتر.

وقد قال الحافظ ابن القيم في ((زاد المعاد)) (ج1 ص 82): وأما حديث عائشة فاختلف على ابن شهاب فيه فقال مالك عنه: فإذا فرغ يعني من قيام الليل، اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن، فيصلي ركعتين خفيفتين. وهذا صريح أن الضجعة قبل سنة الفجر , وقال غيره عن ابن شهاب: فإذا سكت المؤذن من أذان الفجر، وتبين له الفجر، وجاءه المؤذن، قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، قالوا: وإذا اختلف أصحاب ابن شهاب فالقول ما قاله مالك، لأنه أثبتهم فيه وأحفظهم. وقال الآخرون: بل الصواب في هذا مع من خالف مالكاً. وقال أبو بكر الخطيب: روى عن الزهري عن عروة عن عائشة، كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ منها اضطجع على شقه الأيمن، حتى تأتيه المؤذن، فيصلي ركعتين خفيفتين، وخالف مالكاً عقيل ويونس وشعيب وابن أبي ذئب والأوزاعي وغيرهم، فرووا عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يركع الركعتين للفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن، حتى تأتيه المؤذن، فيخرج معه. فذكر مالك أن اضطجاعه كان قبل ركعتي الفجر , ومن حديث الجماعة أنه اضطجع بعدهما، فحكم العلماء أن مالكاً أخطأ وأصحاب غيره. انتهى كلامه.

وقال الحافظ في ((فتح الباري)) (ج3 ص44) وأما ما رواه مسلم من طريق مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة: أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم اضطجع بعد ركعتي الفجر وهو المحفوظ ولم يصب من احتج به على ترك استحباب الاضطجاع. ا. هـ.

وقال أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي في رسالته ((إعلام أهل العصر)) (ص59): وما قاله يحيى بن معين، فليس مراده أنه لو كان الاختلاف بحيث أن يكون الإمام مالك في طرف وجمهور أصحاب الزهري في طرف فيقدم رواية مالك على سائر أصحابه، بل مراده أنه إن كان الاختلاف في أصحاب الزهري بحيث إن جماعة من أصحابه في طرف، وجماعة ومالكاً في طرف، فيقدم رواية مالك لأنه إمام ثقة ثبت حافظ جليل فيرجح مالك هذا الطريق على الآخر. اهـ.

وقال الزرقاني رحمه الله تعالى في ((شرحه على موطأ مالك)) (ج1ص 364): هكذا اتفق عليه رواة الموطأ، وأما أصحاب ابن شهاب فرووا هذا الحديث عنه بإسناده، فجعلوا الاضطجاع بعد ركعتي الفجر لا بعد الوتر .... إلى أن قال: وزعم محمد بن يحيى الذهلي وغيره أنه الصواب دون رواية مالك. ورده ابن عبد البر بأنه لا يدفع ما قاله مالك لموضعه من الحفظ والإتقان ولثبوته في ابن شهاب وعلمه بحديثه، وقد قال يحيى بن معين: إذا اختلف أصحاب ابن شهاب فالقول ما قال مالك، فهو أثبتهم فيه وأحفظهم لحديثه. ا. هـ.

قلت: مراد ابن معين هو ما ذكره العلامة شمس الحق العظيم آبادي كما تقدم وإليك أحاديث أصحاب الزهري.

1 - رواية الأوزاعي عن الزهري:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015