عَامِر عَنْ عُمَر ولا يقول عَنْ أبيه» (01).
* كَلامُ الدّارقُطنيّ:
فقد سئل عَنْ حديثِ عَامِر بنِ ربيعة العدوي عَنْ عُمَر عَن النبي صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقرَ والذنوبَ» الحديث، فقالَ: «يرويه عَاصِمُ بنُ عُبَيد الله بن عَاصِم بن عُمَر بن الخطاب ـ ولم يكن بالحافظ ـ رَواهُ عَنْ عبدِ الله بنِ عَامِر بن ربيعة عَنْ أبيه عَنْ عُمَر، وكان يضطربُ فيه، فتارةً لا يذكر فيه عَامِر بنَ ربيعة فيجعله عَنْ عبد الله بن عَامِر عَنْ عُمَر، وتارةً يذكر فيه، حَدّث به عنه: عُبيد الله بن عُمَر، ومحمد بن عَجلان، وسفيان الثوري، وشريك بن عبد الله، واختلف عنهم؛ رواه ابنُ عُيينة عنه فبانَ الاضطراب في الإسناد من قبل عَاصِم بن عُبَيد الله لا من قِبل من رواه عنه، فأمّا روايةُ عبيد الله بن عُمَر عَنْ عَاصِم فرواهُ زُهير، وابن نمير، وعبدة بن سليمان، وأبو حفص الأبار، وأبو بدر، ومحمد ابن بشر عَنْ عبيد الله، فاتفقوا على قولٍ واحدٍ، وأسندوه عَنْ عبد الله بن عَامِر عَنْ أبيه عَنْ عُمَر، وخالفهم علي بن مسهر، وأبو أسامة، ويحيى بن سعيد الأموي فرووه عَنْ عبيد الله، ولم يذكروا في الإسناد عَامِر بن ربيعة، ورواه ابنُ عجلان عَنْ عَاصِم فَجَوّد إسناده خالدُ بنُ الحارث عنه، وخَالفه بكرُ بنُ صدقة عَنْ ابن عَجلان فلم يذكر في الإسناد عَامِر بن ربيعة، وتابعه الليثُ بنُ سعد على إسناده إلا أنه وقفه، ورواه الثوريُّ عَنْ عَاصِم واختلف عنه؛ فقال حسينُ بنُ حفص: عَنْ سفيان عَنْ عَاصِم عَنْ عبد الله بن عَامِر عَنْ أبيه عَنْ عُمَر، وخَالفه أبو أحمد الزبيريّ فرواه عَنْ الثوري فنقَصَ من إسنادهِ عَامِر بنَ ربيعة، ورواه محمدُ بنُ كثير عَنْ الثوري عَنْ عَاصِم عَنْ عبد الله بن عَامِر عَنْ أبيه عَن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه عُمَر، ورواهُ شَريكُ ابن عبد الله عَنْ عَاصِم، واختلف عنه فأسنده يحيى بن طلحة عَنْ شَريك وجوّد إسنادَه، وخَالفه أسباطُ بنُ محمد عَنْ شريك فلم يذكر في الإسناد عامراً. وقال عثمانُ بنُ أبي شيبة عَنْ شريك عَنْ عَاصِم عَنْ عبد الله بن عَامِر عَنْ أبيه عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر عُمَر. ورواهُ سفيانُ بنُ عيينة عَنْ عَاصِم فجوّد إسنادَه وبين أنّ عاصماً كان يضطرب فيه؛ فمرةً ينقصُ من إسنادهِ رجلاً، ومرةً يزيد فيه، ومرةً يقفه على عُمَر، وقال ابنُ عُيينة: وأكثر ذلك كان يقوله عَنْ عبد الله بن عَامِر عَنْ أبيه عَنْ عُمَر عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم .. » (1).
بيّن يعقوبُ بنُ شيبة، والدّارقُطنيّ في كلامِهمَا السابق علةَ حديث عُمَر بن الخطاب عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة ... » بياناً شافياً، واشتمل بيانهما لعلة الحديث على عدة خطوات مرتبة:
1 - تحديد مدار الحديث:
بدأ يعقوبُ بذكرِ الراوي الذي تلتقي عنده الأسانيد وهو مدار الحديث وذكر اسمه كاملاً فقال: «تابعوا بين الحج» حديثٌ رواه عَاصِم بن عُبَيد الله بنِ عَاصِم بنِ عُمَر بن الخطاب»، ونحوه قول الدّارقُطنيّ.
فالخطوة الأولى تحديد الراوي مدار الحديث من حيثُ اسمُهُ ونسبُهُ ومولدهُ ووفاتهُ وموطنهُ وأشهر أو أبرز أو أجل شيوخه، وأشهر تلاميذه (2)، وقد عُني المحدثون بمعرفة الرجال من جميع النواحي المتقدمة؛ فمن الناحية الاسمية عُنُوا بإزالة الإبهام وتعيين أسماء الرواة وآبائهم وكناهم وألقابهم وأنسابهم، وضبطوا ذلك بغاية الدقة، وبينوا ما هو على ظاهره من الأنساب وما ليس على ظاهره، وميزوا كلَّ راوٍ عما سواه تمييزاً دقيقاً (3)، وكذلك عُنُوا بتواريخ الرواة مولداً ووفاةً وسماعاً (4)، قال السخاويُّ: «تواريخ الرواة والوفيات ... وهو فنٌّ عظيم الوقع من الدين، قديم النفع به للمسلمين، لا يستغنى عنه .. » (5).
وللمتقدمين أقوال كثيرة دقيقة دالة على مدى اهتمامهم بهذا الجانب من علوم الحديث؛ فمن تلك الأقوال: قولُ سفيان الثوري: «لما استعمل الرواةُ الكذب، استعملنا لهم التاريخ» (6)، وقولُ حفص بن غياث: «إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين» (7)، وقولُ حسّان بن زيد: «لم نستعن على الكذابين بمثل التاريخ، نقول للشيخ: سنة كم ولدت؟ فإذا أقر بمولده عرفنا صدقه من كذبه» (8).
¥