- العلة الغامضة في إسنادٍ ظاهرهُ الصحة حتى لو كان الإسناد فرداً، وهذه العلةُ الغامضةُ لا يمكن أن يوضع لها ضابط محدد لأنّ لها صوراً كثيرةً ومتعددةً، وفي بعضها دقة وغموض، لا يعلمها إلاّ حذاق هذا الفن؛ فمن ذلك مثلاً: ما قاله يعقوب بن شيبة السدوسيّ: «كان سفيان بن عيينة ربما يحدث بالحديث عَنْ اثنين، فيسند الكلام عَنْ أحدهما، فإذا حدّث به عَن الآخر على الانفراد أوقفه أو أرسله» (1)، قال ابنُ رجب: «ومن هذا المعنى: أنّ ابن عيينة كان يروي عَنْ ليث، وابن أبي نجيح جميعاً عَنْ مجاهد عَنْ أبي معمر عَنْ علي حديث القيام للجنازة، قال الحميديُّ: فكنا إذا وقفناه عليه لم يُدخل في الإسناد أبا معمر إلاَّ في حديث ليث خاصة، يعني أنّ حديث ابن أبي نجيح كان يرويه مجاهد عَنْ علي منقطعاً» (2).

والاستعمال الثاني هو المراد في كلام كثير من المتأخرين، وهو الذي ذكروه في كتب المصطلح، وهو مراد من تكلم عَنْ أهمية العلل ودقتها وقلة من برز فيها، وقد أشار إليه الحاكم في معرفة علوم الحديث (3)، وعرّفه ابنُ الصلاح بقوله: «هو الحديث الذي اطلع فيه على علةٍ تقدحُ في صحته مع أنّ ظاهره السلامة منها» (4)، وعرّفه ابنُ حجر بقوله: «هو حديث ظاهره السلامة اطلع فيه بعد التفتيش على قادح» (5).

وعليه يكون الحديث المُعل متفاوتاً من حيثُ الظهور والخفاء، والوضوح والغموض، وقد يكون الكلام على الحديث المعل من حيثُ الصناعة الحديثية ولا يلزم من ذلك القدح في صحته، والله أعلم.

* تنبيه:

يجتهد بعضُ طلبة الحديث ـ وفقهم الله ـ لالتماس تعريفٍ دقيقٍ للحديثِ المُعل من خلال كتاب علل ابن أبي حاتم فقط، وفي هذا عندي نظر: من جهة أنّ ابنَ أبي حاتم مات عَن الكتاب وهو مسودة لم يبيض (6)، وقد أورد أحاديث استطراداً ليبين أحكامها الفقهية (رقم0011، 3121، 7121)، أو العقدية (2/ 902 رقم 8112).

وللخروجِ بمعنى دقيق لا بدَّ من استقراء:

1 ــ كتب العلل الخاصة، أو المتضمنة للعلل: كعلل ابن المديني، والترمذي، والدّارقُطنيّ، وابن الشهيد مع علل ابن أبي حاتم، وكتاب التمييز لمسلم بن الحجاج وغيرها.

2 ــ استعمالات الأئمة المتقدمين أمثال: شعبة بن الحجاج، ويحيى القطان، وابن المديني، وابن معين، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم بن الحجاج، ويعقوب بن شيبة، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والترمذي، والعقيلي .. إلى الدّارقُطنيّ.

* حواشي:

(8) علوم الحديث (ص84)، وانظر: ألفية السيوطي شرح أحمد شاكر (ص59 - 60).

(1) شرح علل الترمذي (2/ 765).

(2) المرجع السابق (2/ 764 - 765). وانظر: علل ابن أبي حاتم (رقم1130، 1185، 1194، 1227).

(3) (ص107).

(4) علوم الحديث (ص81).

(5) فتح الباقي على ألفية العراقي (1/ 226).

6) أوردتُ الحجج الدالة على ذلك في القسم الذي حققته من علل ابن أبي حاتم (1/ 58 - 64).

ـ[خليل بن محمد]ــــــــ[27 - 06 - 02, 08:41 ص]ـ

* خطوات دراسة الحديث المُعل:

سننطلق في بيان هذه الخطوات من نصِّ إمامين من أئمة العلل هما: الإمام أبو يوسف يعقوب بن شيبة السدُوسِي المتوفى سنة (ت 262هـ) (7)، والإمام أبو الحسن علي بن عُمَر الدّارقُطنيّ (ت 583هـ) ـ رحمة الله عليهما ـ، قال عبدُ الغني بنُ سعيد الأزدي (ت 409هـ): «ولم يتكلم أحدٌ على علل الأحاديث بمثل كلام يعقوب، وعلي بن المديني، والدّارقُطنيّ» (8).

* كلامُ يعقوب بنِ شيبة:

قال أبو القاسم علي بنُ الحسن ابن عساكر في تاريخه بعد أنْ ساقَ حديثَ: «تابعوا بين الحج والعمرة» من طريق أبي يوسف يعقوب بن شيبة السدوسي قال: «قال أبو يوسف: «تابعوا بين الحج» حديثٌ رواه عَاصِم بن عُبَيد الله بن عَاصِم بن عُمَر بن الخطاب وهو مضطرب الحديث، فاختلف عنه فيه، فرواه عَنْ عاصم: عبيد الله بن عُمَر، وشريك بن عبد الله، وسفيان بن عيينة؛ فأمَّا: عبيدُ الله بن عُمَر فإنه وَصَله وجوّده فرواه عنه عَنْ عبد الله بن عَامِر بن ربيعة، عَنْ أبيه، عَنْ عُمَر (9) عَن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر فيه عُمَر، رواه مرة أخرى عَنْ عُمَر عَن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نرى هذا الاضطراب إلا من عَاصِم وقد بين ابنُ عيينة ذلك في حديثه قال علي بن المديني: قال سفيان بن عيينة: كان عَاصِم يقول: عَنْ عبد الله بن عَامِر بن ربيعة عَنْ أبيه عَنْ عُمَر، ومرة يقول: عَنْ عبد الله بن

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015