وسلم قَالَ: الْرِّبَا اثنان وسَبْعُون بَاباً، أدناها مِثْلُ إتيانِ الرَّجُلِ أُمَّهُ»، قَالَ أَبِي: هو مرسل، لم يدرك يَحْيَى بنُ إِسْحَاق الْبَرَاء، ولا أدرك والدُهُ الْبَرَاء» (6)، ومن ذلك أيضاً لفظ التدليس عند المتقدمين يطلق على الإرسال بخلاف تعريف المتأخرين له، ومن ذلك لفظة (حسن)، ولفظة (منكر)، ولفظة (مجهول) وغيرها من المصطلحات.

2 ــ اتباعُ الأئمةِ المتقدمين في تعليلهم للأخبار، وعدم التسرع في الرد عليهم، وهذا من باب الاتباع المحمود لا التقليد المذموم، قال ابنُ رجب: «قاعدةٌ مهمةٌ: حذّاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث، ومعرفتهم بالرجال، وأحاديث كل واحد منهم، لهم فهم خاص يفهمون به أنَّ هذا الحديث يشبه حديث فلان، ولا يشبه حديث فلان، فيعللون الأحاديث بذلك، وهذا مما لا يعبر عنه بعبارة تحصره، وإنما يرجع فيه إلى مجرد الفهم والمعرفة التي خصوا بها عَنْ سائر أهل العلم» (7)، وما قاله ابنُ رجب يتعذر في مثل هذه الأزمنة مما يجعل الأمر كما قال ابنُ حجر: «قد تقصرُ عبارة المعلل منهم فلا يفصحُ بما استقر في نفسه من ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى كما في نقد الصيرفي سواء؛ فمتى وجدنا حديثاً قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله فالأوْلى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه، وهذا الشافعيّ مع إمامته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول: «وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث»، وهذا حيث لا يوجد مخالف منهم لذلك المعلل، وحيثُ يصرح بإثبات العلة، فأمَّا إن وجد غيره صححه فينبغي حينئذ توجه النظر إلى الترجيح بين كلاميهما، وكذلك إذا أشار إلى المعلل إشارةً ولم يتبين منه ترجيح لإحدى الروايتين، فإنْ ذلك يحتاج إلى الترجيح، والله أعلم» (1)، وقال أيضاً: «وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين وشدة فحصهم وقوة بحثهم وصحة نظرهم وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك والتسليم لهم فيه، وكل من حكم بصحة الحديث مع ذلك إنما مشى فيه على ظاهر الإسناد» (2).

وتأمل هذه القصة التي ذكرها ابنُ أبي حاتم قال: «سمعتُ أبي ـ رحمه الله ـ يقولُ: جاءني رجلٌ من جِلَّةِ أصحابِ الرأي مِنْ أهلِ الفهم منهم، وَمَعَه دفترٌ فعرضه عليَّ، فقلتُ في بعضها: هذا حديثٌ خطأ قد دَخَل لصاحبه حديثٌ في حديث، وقلتُ في بعضه: هذا حديثٌ باطل، وقلتُ في بعضه: هذا حديثٌ منكر، وقلتُ في بعضهِ: هذا حديثٌ كذب، وسائرُ ذلك أحاديثُ صحاح، فقال: من أين علمتَ أنّ هذا خطأ، وأنَّ هذا باطل، وأنّ هذا كذب، أخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطتُ وأني كذبتُ في حديث كذا؟ فقلتُ: لا؛ ما أدري هذا الجزء من رواية مَنْ هو، غير أني أعلم أن هذا خطأ، وأنّ هذا الحديث باطل، وأن هذا الحديث كذب، فقال: تدعي الغيب؟ قال: قلت: ما هذا ادعاء الغيب، قال: فما الدليل على ما تقول؟ قلتُ: سلْ عما قلتُ من يحسن مثل ما أُحسن؛ فإن اتفقنا علمتَ أنَّا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم، قال: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟ قلت: أبو زرعة، قال: ويقول أبو زرعة مثل ما قلتَ؟ قلت: نعم: قال: هذا عجب.

فأخذ فكتب في كاغَدٍ (*) ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رجع إليّ وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث؛ فما قلت إنه باطل قال أبو زرعة: هو كذب، قلتُ: الكذب والباطل واحد، وما قلت إنه كذب قال أبو زرعة: هو باطل، وما قلت إنه منكر قال: هو منكر كما قلتُ، وما قلت إنه صحاح قال أبو زرعة: هو صحاح، فقال: ما أعجب هذا! تتفقان من غير مواطأة فيما بينكما؟ فقلت: فقد علمت أنَّا لم نجازف، وإنما قلناه بعلم ومعرفة قد أوتينا، والدليل على صحة ما نقوله أن ديناراً نَبَهْرَجاً (3) يحمل إلى الناقد فيقول: هذا دينار نبهرج، ويقول لدينار: هو جيد، فإن قيل له: من أين قلت إن هذا نبهرج؛ هل كنت حاضراً حين بهرج هذا الدينار؟ قال: لا. فإن قيل له: فأخبرك الرجل الذي بهرجه أني بهرجت هذا الدينار؟ قال: لا، قيل: فمن أين قلتَ إن هذا نبهرج؟ قال: علماً رزقت، وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك، قلتُ له: فتحمل فصّ ياقوت إلى واحدٍ من البصراء من الجوهريين فيقول: هذا زجاج، ويقول لمثله: هذا ياقوت، فإن قيل له: من أين علمت أن هذا زجاج، وأن هذا ياقوت هل حضرت الموضع الذي صنع فيه هذا الزجاج؟ قال: لا، قيل له: فهل

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015