ـ[خالد بن عمر]ــــــــ[29 - 06 - 02, 04:54 م]ـ
الحلقة السادسة:
ومخالفة المتأخرين لأئمة النقد في هذه المسألة ذات شقين.
الأول: التقرير النظري
الثاني: التطبيق العملي
## فأما الأول: (التقرير النظري)
فمنه قول ابن حزم (لإذا روى العدل عن مثله كذلك خبرا حتى يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم فقد وجب الأخذ به، ولزمت طاعته والقطع به، سواء أرسله غيره أو وقفه سواه، أو رواه كذاب من الناس، وسواء روي من طريق أخرى أو لم يرو إلا من تلك الطريق ... ) (1)
وقال أيضا (لإذا روى العدل زيادة على ما روى غيره، فسواء إنفرد بها أو شاركه فيه مثله أو دونه أو فوقه، فالأخذ بتلك الزيادة فرض، ومن خالفنا في ذلك فإنه يتناقض أقبح التناقض ... ، ولا فرق بين أن يروي الراوي العدل حديثا فلا يرويه أحد غيره أو يرويه غيره مرسلا أو يرويه ضعفاء، وبين أن يروي الراوي العدل لفظة زائدة لم يروها غيره من رواة الحديث ... ، وهذه الزيادة وهذا الإسناد هما خبر واحد عدل حافظ، ففرضٌ قبولهما ولا نبالي روي مثل ذلك غيرهما، أو لم يروه سواهما ... ) (2)
ويذكر عبد الحق الإشبيلي في كتاب (الأحكام) عن النقاد تعليل بعض الأحاديث بأن راويها انفرد بها، أو لم يتابع، فيتعقبه ابن القطان، ومن ذلك قوله ملخصا هذا الأمر (وهناك اعتلالات أخر يعتل بها أيضا أبو محمد على طريقة المحدثين ... ، فمن ذلك اننفراد الثقة بالحديث، أو بزيادة فيه، وعمله فيه هو الرد ـ ثم ذكر أمثلة على ذلك، ثم قال ـ: والذي له من هذا النوع هو كثير جدا ممات لم نذكر، مما هو عندنا صحيح لم يضره هذا الاعتلال ... ، وإنما أقصد في هذا الباب إلى ذكر مثل مما ضعف به أحاديث ينبغي أن يقال فيها إنها صحيحة لضعف الاعتلال عليها كهذا الاعتلال، الذي هو الانفراد، فإنه غير ضار إذا كان الراوي ثقة، وأصعب مافيه الانفراد بزيادة لم يذكرها رواة الخبر الثقات، وأخفها أن يجيء بحديث لا نجده عند غيره) (3)
وذكر ابن الصلاح في حديثه عن مصطلح (المنكر) ما نصه (بلغنا عن أبي بكر أحمد بن هارون البرديجي الحافظ: أنه الحديث الذي ينفرد به الرجل، ولا يعرف متنه من غير روايته، لا من الوجه الذي رواه منه، ولا من وجه آخر، فأطلق البرديجي ذلك ولم يفصل، وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث، والصواب فيه التفصيل الذي بينّاه آنفا في شرح الشاذ ... ) (4)
وكان ابن الصلاح قد ذكر في حديثه عن مصطلح (الشاذ) تعريف الحاكم والخليلي للشاذ الماضي ذكره في المبحث الأول، لكنه لم يرتض كلامهما، وقال: (بل الأمر على تفصيل نبينه فنقول: إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه، فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك واضبط ـ كان ما انفرد به شاذا مردودا وغن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره إنما هو أمر رواه ولم يروه غيره، فينظر في هذا الراوي المتفرد: فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه ـ ثم قال: وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان خارما له مزحزحا له عن حيز الصحيح، ثم هو دائر بين مراتب متفاوته بحسب الحال، فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الضابط المقبول تفرده ـ استحسنا ذلك حديثه ذلك، ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف، وإن كان بعيدا عن ذلك رددنا ما انفرد به، وكان من قبيل الشاذ المنكر ... ) (5)
وكلام ابن الصلاح في تعريف الحديث (الصحيح) (والحسن) يدور حول ما ذكره هنا، من أن حديث الراوي الثقة يصحح، فإن خف ضبطه فهو الحديث الحسن، وإن كان ضعيفا فهو الذي يضعف حديثه) (6)
ومن المعلوم أن المصنفات في (مصطلح) الحديث بعد ابن الصلاح دارت في الغالب حول كتابه، إما بالشرح أو الاختصار، أو النظم، فوافق ابن الصلاح على ما ذكرناه جمع غفير ممن ألف في مصطلح الحديث منذ عصره إلى وقتنا الحاضر. (7)
ويلاحظ أن الثلاثة ـ ابن حزم، وابن القطان، وابن الصلاح ـ لم يخف عليهم أن أئمة النقد ربما ردوا ما ينفرد به الثقة استنكارا له، فأشار الثلاثة في معرض كلامهم إلى ذلك، وأنهم لم يرتضوه.
¥