n وقد أورد عليه ابن حجر نحواً مما أورده ابن سيد الناس وأضاف: (ثم إن الذي يتبادر إلى الفهم أن الترمذي إنما يحكم على الحديث بالنسبة إلى ما عنده لا بالنسبة إلى غيره، فهذا يقدح في هذا الجواب، ويتوقف أيضاً على اعتبار الأحاديث التي جمع الترمذي فيها بين الوصفين، فإن كان في بعضها ما لا اختلاف فيه عند جميعهم في صحته، فيقدح في الجواب أيضاً، لكن لو سلم هذا الجواب من التعقب لكان أقرب إلى المراد من غيره، وإني لأميل إليه وأرتضيه، والجواب عما يرد عليه ممكن) ().
n كما اعترض عليه أيضاً ملا علي القاري بأنه يلزم على هذا أن يكون الترمذي وقبله البخاري مقلدين في التصحيح والتحسين. ()
القول السادس:
قال ابن سيد الناس: (والجواب أن الحكم للفظه حسن إنما هو إذا انفردت، ومعلوم حينئذ أنها جاءت على الوضع الاصطلاحي، لتفيد ما تقرر من المراد.
وأما إذا جاءت تبعاً للصحيح فالحكم للصحيح، وليس ذلك المعنى الوضعي مراداً منها، ولا منافاة حينئذ، كما لو قلت: صحيح معروف، أو مشهور صحيح، ولم تكن تلك الزيادة على الوصف بالصحة مما يحط الحديث عن مرتبته، وإن كانت قاصرة عن الوصف بالصحة إذا انفردت، وليس وضع الحسن على هذا النوع من الحديث مما تقدم الترمذي وضعه حتى يشاحح في إطلاقه ويطلب منه اطراد رسمه، منفرداً، أو مقترناً
بالصحة). ()
n وقد اعترض الدكتور أحمد معبد على هذا التوجيه من خلال الأمور التالية:
الأول: اعترض على ما ذكره من أن لفظه حسن لا يراد بها المعنى الاصطلاحي إذا جاءت مع لفظة صحيح، بأن الترمذي لما أكثر من استعمال هذه العبارة مركبة، مع التنويع في تركيبها، عرفنا أنه لا محالة جار في ذلك مع الاصطلاح في الألفاظ التي يستعملها، ومن ضمنها لفظ حسن، ويضاف لذلك قوله: (وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث
حسن، فإنما أردنا حسن إسناده) ()، فذلك عام شامل لجميع صور ذكره للفظ حسن؛ مفرداً؛ أو مركباً، ما لم يقيده الترمذي نفسه بقيد، وبذلك ينتفي أن لا يراد بالحسن المعنى الاصطلاحي إذا رُكِّبَ مع الصحيح.
الثاني: واعترض على ما ذكره من أن الجمع بين الحسن والصحة يشبه في عدم المنافاة الجمع بين ((صحيح)) وكل من: ((مشهور)) و ((معروف))، بأن هذا قياس مع الفارق، لأن المعروف والمشهور الاصطلاحيان يمكن اجتماعهما مع الصحة في حديث واحد بدون تناف، لأن منهما صحيح وغير صحيح، بخلاف الحسن فإنه قاصر عن الصحيح عند من سمى الحسن صحيحاً.
الثالث: واعترض على قوله: (وليس وضع الحسن على هذا النوع من الحديث مما تقدم الترمذي وضعه)، بأن الإمام الترمذي مسبوق في إطلاقه للحسن بالمعنى الاصطلاحي، وممن استعمله بهذا المعنى: علي بن المديني، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وغيرهم، وعن البخاري أخذ الترمذي. ()
القول السابع:
أن اللفظين مترادفان.
قال بدر الدين الزركشي: (يحتمل أن يريد بقوله: حسن صحيح في هذه الصورة الخاصة الترادف، واستعمل هذا قليلاً تنبيهاً على جوازه، كما استعمله بعضهم حيث وصف الحسن بالصحة، على قول من أدرج الحسن في قسم الصحيح). ()
وقال الحافظ ابن حجر: (واختار بعض من أدركنا أن اللفظين عنده مترادفان، ويكون إتيانه باللفظ الثاني بعد الأول على سبيل التأكيد، كما يقال: صحيح ثابت، أو جيد قوي، أو غير ذلك) ().
n وقد اعترض عليه ابن حجر بعد ذكره له فقال: (وهذا قد يقدح فيه القاعدة بأن الحمل على التأسيس خير من الحمل على التأكيد، لأن الأصل عدم التأكيد، لكن قد يندفع القدح بوجود القرينة الدالة على ذلك، وقد وجدنا في عبارة غير واحد كالدارقطني: هذا حديث صحيح ثابت) ().
n قلت: ويمكن أن يعترض على هذا القول أيضاً من وجهين:
الأول: أنه لم يدل دليل على إرادة أحد الجزئين حتى يكون الآخر مرادفاً له، وعلى فرض إرادة الترادف فإن كون الثاني مرادفاً للأول أقوى من العكس، وعليه فيكون الصحيح في كتابه قليلاً، وهو ما قال فيه: ((صحيح))، أو ((صحيح حسن)).
الثاني: أن الإمام الترمذي قد ميز الحسن بمصطلح خاص به مما يدل على أنه غير مرادف للصحيح عنده.
¥