لا شك أن ما حدث به الثقة المختلط قبل اختلاطه مقبول، قال ابن حبان في صحيحه: (وأما المختلطون في أواخر أعمارهم مثل الجُريري وسعيد بن أبي عروبة وأشباههما فإنا نروي عنهم في كتابنا هذا ونحتج بما روو إلا أنا لانعتمد من حديثهم إلا ما روى عنهم الثقات من القدماء الذين نعلم أنهم سمعوا منهم قبل اختلاطهم وما وافقوا الثقات في الروايات التي لانشك في صحتها وثبوتها من جهة أخرى لأن حكمهم وإن اختلطوا في أواخر أعمارهم وحمل عنهم في اختلاطهم بعد تقدم عدالتهم حكم الثقة إذا أخطأ، إذ الواجب ترك خطئه إذا علم، والاحتجاج بما نعلم أنه لم يخطئ فيه، وكذلك حكم هؤلاء الاحتجاج بهم فيما وافقوا الثقات وما انفردوا به مما روى عنهم القدماء من الثقات الذين كان سماعهم منهم قبل الاختلاط) ().
وأما ما حدث به بعد اختلاطه أو أشكل أمره فلم يُدْرَ هل أُخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده فالأصل عدم الاحتجاج به إلا في حالات:
الأولى: ما أخرجه الشيخان أو أحدهما كما سيأتي.
الثانية: ما وافق فيه الثقات، كما ذكر ذلك ابن حبان فيما تقدم.
الثالثة: ما حدث به من كتابه.
الرابعة: ما مُيِّز من مروياته ()، قال وكيع: (كنا ندخل على سعيد بن أبي عروبة، فنسمع فما كان من صحيح حديثه أخذناه وما لم يكن صحيحاً طرحناه) ().
ما يوجد في الصحيحين من رواية عن المختلطين، وحكمها:
وقع في الصحيحين تخريج لبعض من وصف بالاختلاط من طريق من لم يسمع منه إلا بعده والضابط في ذلك أمران:
أولاً: أن يثبت عند المخرِّج أنه من قديم حديثه ولو لم يكن من سمعه منه قبل الاختلاط على شرطه ولو ضعيفاً يعتبر بحديثه فضلاً عن غيره لحصول الأمن به من التغيير، ومن المستخرجات غالباً يستفاد تمييز من سمع قديماً ممن اختلط ().
ثانياً: أن يتوافق على رواية الحديث جمع من الثقات الذين لم يسمعوا منه إلا بعده فذلك
شأنه كشأن ما يُخرِّج في المتابعات، أو حيث يخرج حديث الراوي مقروناً بغيره ().
قال الحافظ ابن حجر في توجيه ما أخرجه البخاري من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة: (وأما ما أخرجه البخاري من حديثه عن قتادة فأكثره من رواية من سمع منه قبل الاختلاط، وأخرج عمن سمع منه بعد الاختلاط قليلاً كمحمد بن عبدالله الأنصاري وروح ابن عبادة وابن أبي عدي، فإذا أخرج من حديث هؤلاء انتقى منه ما توافقوا عليه) ().
من لايضر اختلاطهم:
ِمن الرواة مَن اختلط ولكن اختلاطهم لايضر حيث إنهم لم يحدثوا زمن اختلاطهم، كإبراهيم بن أبي العباس ويقال ابن العباس السامرِي، قال عنه محمد بن سعد: (اختلط في آخر عمره، فحجبه أهله في منزله حتى مات)، وزاد الذهبي قال: (فما ضره اختلاطه، وعامة من يموت يختلط قبل موته، وإنما المضعِّف للشيخ أن يروي شيئاً زمن اختلاطه) ().
ومثله جرير بن حازم، قال عنه ابن مهدي: (اختلط فحجبه أولاده فلم يسمع أحد عليه زمن اختلاطه شيئاً) ().
قال السخاوي: (وقد يتغير الحافظ لكبره، ويكون مقبولاً في بعض شيوخه لكثرة ملازمته له وطول صحبته إياه، بحيث يصير حديثه على ذكره وحفظه بعد الإختلاط والتغير كما كان قبله كحماد بن سلمة أحد أئمة المسلمين في ثابت البُناني ولذا خرَّج له مسلم كما قدمته في مراتب الصحيح، على أن البيهقي قال: أن مسلماً اجتهد وأخرج من حديثه عن ثابت بخصوصه ما سمع منه قبل تغيره، والله أغلم) ().
الكتب المختصة بالاختلاط:
ـ الاغتباط بمعرفة من رُمي بالختلاط لبرهان الدين الحلبي - سبط بن العجمي -، (ت 841هـ).
ـ الكواكب النيِّرات في معرفة من اختلط من الروات الثقات لأبي البركات محمد بن أحمدبن الكيال، (ت939هـ).
فائدة تتعلق بضبط الصدر (نسيان المحفوظ):
ولا يعد النسيان ملحقاً بالإختلاط حيث أنه لا يعرى عنه أحد حتى الأئمة، فقد قال الإمام أحمد: (كان ابن عيينة يحدِّث ناسياً ثم يقول: ليس هذا من حديثي ولا أعرفه) ().
وقد دافع الذهبي عن أبي إسحاق السبيعي بأنه لم يختلط وإنما شاخ ونسي ().
ومن هذا أن سهيل بن أبي صالح حدث ربيعة بن أبي عبدالرحمن بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد ثم نسيه فصار يحدث به عن ربيعة عن نفسه ().
حكم حديث من حدث ونسي:
¥