وقد جعل أئمة الحديث ضوابط للخطأ الذي ترد به الرواية، فقال عبدارحمن بن مهدي: (قيل لشعبة: متى يترك حديث الرجل؟، قال: إذا حدث عن المعروفين مالا يعرفه المعروفون، وإذا أكثر من الغلط، وإذا اتهم بالكذب، وإذا روى حديثا غلطاً مجتمعاً عليه فلم يتهم نفسه فيتركه طُرح حديثه، وما كان غير ذلك فارووا عنه)، فجعل شعبة إكثار الغلط من الراوي سبباً لطرح حديثه ().
والخطأ اليسير من الراوي المكثر لا يؤثر في ضبطه، وبقدر زيادة الخطأ يكون التأثير، ولذا لم يقدح أهل العلم في كل من أخطأ بل احتملوا لِواسع الرواية أخطاءً لو وقعت من مُقل لردوا روايته بها، ومن هؤلاء أبوداود الطيالسي فإنه أخطأ في نحو ألف حديث ومع ذلك احتملت له لسعة مروياته، قال أبو مسعود أحمد بن الفرات الرازي: (كتبوا إليّ من أصبهان أن أبا داود أخطأ في تسعمائة، أو قالوا: ألف، فذكرت ذلك لأحمد بن حنبل فقال: يحتمل لأبي داود)، وقال أبومسعود أيضا: (قلت لأحمد بن حنبل في خطأ أبي داود، قال: لايعد لأبي داود خطأ، إنما الخطأ إذا قيل له لم يعرفه، وأما أبوداود قيل له فعرف، ليس هو خطأ) ()، وقال ابن عدي: (وليس بعجب ممن يحدث بأربعين ألف حديث من حفظه أن يخطيء في أحاديث منها، يرفع أحاديث لا يرفعها غيره، ويوصل أحاديث يرسلها غيره، وإنما أتي ذلك من قبل حفظه، وما أبو داود عندي وعند غيري إلا متيقظ ثبت) ()، وقال الخطيب البغدادي: (كان أبو داود يحدث من حفظه، والحفظ خوَّان فكان يغلط، مع أن غلطه يسير في جنب ما روى على الصحة والسلامة) ().
خوارم الضبط
يمكن تقسيم خوارم الضبط باعتبار تأثيرها في مرويات الراوي إلى قسمين:
القسم الأول: خوارم عامة تؤثر في جميع مرويات الراوي، وهي على أنواع:
1/ سوء الحفظ الملازم:
والمراد بسوء الحفظ: أن لا يترجح جانب إصابة الراوي على جانب خطئه ().
ويتبع سوء الحفظ كثرة المخالفة و فحش الخطأ والاضطراب في الرواية.
فكثرة المخالفة: أن يخالف الراوي من هو أوثق منه أو جمعاً من الثقات.
وفحش الخطأ: هو أن يزيد خطأ الراوي على صوابه زيادة فاحشة ().
وأما الاضطراب في الرواية: فهو أن يروي الحديث على أكثر من وجه ولا مرجح لاحدها على الآخر ().
مثل إسماعيل بن خليفة العبسي أبوإسرائيل بن أبي إسحاق الملائي الكوفي، قال عبدالله بن المبارك: (لقد منَّ الله على المسلمين بسوء حفظ أبي إسرائيل ())، وقال عبدالله بن أحمد: (سألت أبي عن أبي إسرائيل المُلائي فقال: هو كذا، قلت: ما شأنه؟، قال: خالف الناس في أحاديث)، وقال أبو حاتم: (حسن الحديث جيد اللقاء وله أغاليط لايحتج بحديثه وهو سئ الحفظ)، وقال أبو جعفر العُقيلي: (في حديثه وهم واضطراب وله مع ذلك مذهب سوء)، وقال أبوأحمد بن عدي: (عامة ما يرويه يخالف الثقات) ().
ومثال آخر: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، أبوعبد الرحمن الكوفي، القاضي.
قال شعبة: (ما رأيت أحداً أسوأ حفظاً من ابن أبي ليلى).
وقال يحيى القطان: (سيء الحفظ جداً).
وقال الإمام أحمد: (فقه ابن أبي ليلى أحب إلينا من حديثه، حديثه فيه اضطراب)، وفي رواية عنه: (لا يحتج بحديث ابن أبي ليلى).
وقال يحيى بن معين: (ابن أبي ليلى ضعيف في روايته)، وفي رواية عنه: (ليس بذاك).
وقال أبو حاتم: (محله الصدق، كان سيء الحفظ ... لا يتهم بشيء من الكذب إنما يُنْكَر عليه كثرة الخطأ، يكتب حديثه ولا يحتج به).
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: (واهي الحديث، سيء الحفظ).
وقال ابن حبان: (كان رديء الحفظ، كثير الوهم، فاحش الخطأ، يروي الشيء على التوهم، ويحدث على الحسبان، فكَثُر المناكير في روايته فاستحق الترك، تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين) ().
2/ سوء التحمل أو الأداء:
¥