قالوا: ووجه الدلالة من هذا الحديث أن الجماعة الثانية لو كانت مشروعة لما حرق بيوتهم، ولجاز لهذا المتخلف أن يتذرع بذلك ويقول: سأصلي في الجماعة الثانية، فثبت بذلك أن وجوب الإتيان إلى الجماعة الأولى يستلزم كراهة الثانية في المسجد الواحد، ثم أن تكرار الجماعة في المسجد الواحد يؤدي إلى تقليل الجماعة الأولى وهذا غير مستحب.

3 - ما أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج9/رقم 9380) عن عبد الرزاق، وهذا في "المصنف" (ج2/رقم 3883) عن مَعْمَرٍ، عن حماد،

عن إبراهيم، أن علقمة والأسود أقبلا مع ابن مسعود إلى المسجد فاستقبلهم الناس قد صلوا، فرجع بهما إلى البيت فجعل أحدهما عن يمينه

والآخر عن شماله ثم صلى بهما.

قالوا: وهذا إسناد جيد.

ووجه الدلالة منه على المطلوب واضح.

قالوا: وكذلك ورد ذكر كراهة الجماعة الثانية في المسجد الذي صُلِّي فيه مرةً عن جماعة من التابعين منهم: الأسود بن يزيد، وسالم بن عبد الله ابن عمر، والحسن البصري، والقاسم بن أبي بكر، وأبو قلابة الجرمي

في آخرين.

* قُلتُ: هذا هو أظهر أدلة المانعين، وثمَّ معنى آخر أظهره الإمام الشافعي رحمه الله، ولم يطنب أحدٌ في ذكر المنع مثله رحمه الله تعالى.

فقال في "الأم" (2/ 292): "وكل جماعة صلى فيها رجل في بيته، أو في مسجد صغير، أو كبير قليل الجماعة أو كثيرها، أجزأت عنه، والمسجد الأعظم، وحيث كثرة الجماعة أحب إليَّ، وإن كان لرجلٍ مسجدٌ يُجمعُ فيه، ففاتته فيه الصلاة فإن أتى مسجد جماعة غيره، كان أحب إليَّ؛ وإن لم يأته وصلى في مسجد منفرداً، فحسنٌ، وإذا كان للمسجد إمامٌ راتبٌ ففاتت رجلاً أو رجالاً فيه الصلاة صلوا فُرادى، ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة، فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه، وإنما كرهت ذلك لهم؛ لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا، بل قد عابه بعضهم.

قال: وأحسب كراهة من كره ذلك منهم إنما كان لتفرق الكلمة، وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إمام جماعة فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة، فإذا قضيت دخلوا فجمعوا، فيكون في هذا اختلاف وتفرق كلمة، وفيهما المكروه. وإنما كره هذا في كل مسجد له إمام ومؤذن. فأما مسجدٌ بُني على ظهر الطريق، أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب ولا يكون له إمام معلوم ويصلي فيه المارة، ويستظلون، فلا أكره ذلك فيه؛ لأنه ليس فيه المعنى الذي وصفت من تفرق الكلمة، وأن يرغب رجالٌ عن إمامة رجل، فيتخذون إماماً غيره.

وإن صلى جماعة في مسجد له إمام، ثم صلى فيه آخرون في جماعة بعدهم كرهت ذلك لهم، لما وصفت وأجزأتهم صلاتهم". انتهى

* قُلتُ: والجواب عن أدلتهم من حيث ترتيبها أن يقال:

أما الدليل الأول وهو: أن النبي r لما فاتته الصلاة صلى في بيته فلا يصح، ففي إسناده معاوية بن يحيى الأطرابلسي أبو مطيع، وقد وثقه غير واحد، وضعفه ابن معين في رواية، وأبو القاسم البغوي، والدار قطني، وأورد له ابن عدي هذا الحديث مما استُنكِرَ عليه، ولا جرم، فإن مثل

خالد بن مهران الحذاء في كثرة أصحابه الثقات، لا يحتمل لمثل معاوية

بن يحيى أن يتفرد عنه بخير، فإن هذا من علامة الحديث المنكر، ثم الوليد بن مسلم لم يصرح في كل طبقات السند، وكان من المشهورين بتدليس التسوية.

أما الدليل الثاني: فما أصحه من دليل، ولكن لا يتم الاستدلال به على المطلوب؛ لأنه لم يتذرع أحد أصلابه بأنه سيصلي في الجماعة الثانية، بل لعل هذا الفهم لم يخطر لأحد منهم على بال، ومن البين أن الذين قصدهم النبي r بهذا التحريق هم جماعة من المنافقين، كما أخرجه البخاري (2/ 141) وغيره عن أبي هريرة مرفوعاً: "ليس صلاةٌ أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيها لأتوها ولو حبواً، لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم، ثم آمر رجلاً يؤم الناس، ثم آخذ شُعلاً من نار، فأحرق على من لم يخرج إلى الصلاة يعدُ".

وذكر الحافظ في "الفتح" (2/ 141) أنه وقع للكشميهني بدل "بعدُ": "يقدِرُ" أي: لا يخرجُ وهو يقدر على المجيء إلى المسجد. انتهى

أما لماذا همَّ النبي r على تحريق بيوتهم ولم يفعل؟

فالجواب: أن في هذه البيوت من لا تجب عليهم صلاة الجماعة مثل

النساء والصغار.

أما الدليل الثالث: وهو أثر ابن مسعود t فليس إسناده جيداً كما قلتم،

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015