ثانياً: ومن المسائل المهمة كذلك: تحقيق شرط الشيخين: فقد درج كثير من طلبة الحديث على تسليط الضوء على مسألة العنعنة و المعاصرة ... واعتبارها مَعلماً لشرط الشيخين!. لكن شرط الشيخين: هو اعتبار المخارج الصحيحة في المرحلة الأولى، واختيار أوثق أصحاب المدار في المرحلة الثانية، بحسب نظر كل منهما، وقد أشار الحازمي إلى ذلك في المثال الذي ذكره لأصحاب الزهري.

فهذا مثال يقاس عليه أصحاب كل مدار تدور عليه أسانيد حديث ما. فلا يحكم لحديث بأنه على شرط أحد الشيخين حتى ينظر إلى الراوي عن المدار وشيخه المدار، فإن روى لهما أحد الشيخين على هيئة الاجتماع كان ذلك على شرطه، وإن روى لكل منهما لكن لا على هيئة الاجتماع فلا يكون ذلك على شرطه، والله أعلم.

ثالثاً: ومن المسائل المهمة: بيان موقف المتقدمين من تفرد راو عمن يجمع حديثه و يُعتنى بالرواية عنه، ويكون مداراً للأسانيد،كالتفرد عن الزهري، أو التفرد عن مالك، وأن كثيراً من الموضوعات قد ألصقت بالأئمة عن طريق راو مجهول يتفرد بها عنهم!! وهذا صنيع من يلصق الموضوعات بالأثبات.

رابعاً: ومن المسائل المهمة: إثبات أن اختلاف الروايات شيء غير تعارض الأدلة، فاختلاف الروايات يعني أن الحديث متحد المخرج والمدار، ثم اختلف الرواة عن المدار في سند الحديث أو في متنه، أما تعارض الأدلة فهو إشكال في ذهن الناقد أو الفقيه رأى من خلاله تعارضاً بين دليلين منفصلين.

وعلى هذا فإن اختلاف الروايات عن المدار مالم يكن راجعاً إلى معنى واحد لابد فيه من سلوك طريق الترجيح أولاً، ولا يُجمع بينهما إذا كان المعنى متعارضاً. ولا دَخْل للنسخ هنا، لأن الاختلاف طارىء متأخر وقد صدر الحديث عنه صلى الله عليه وسلم مرة واحدة.

أما ما يذكر في كتب الأصول والمصطلح من الجمع ثم الحكم بالنسخ إن علم المتقدم والمتأخر ثم الترجيح ثم التوقف؛ فهذا في اختلاف دليلين منفصلين، ومن الخطأ تطبيق هذه القاعدة على اختلاف الروايات والله أعلم.

وثمة مسائل أخرى مهمة كثيرة قد يطول ذكرها.

* * *

أما بعدُ ثانية: فهذا جهد المُقِلِّ،ولست أدعي كمال الاجتهاد وتمام العناية، فأسأل الله تعالى أن يغفر لي ما زَلَّ به الفكر فطغى فيه القلم. وما كان من خير وصواب فمن الله عز وجلَّ، وما كان من خطأ أو تقصير فمني ومن الشيطان، و أستغفر الله العظيم.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

والحمد لله رب العالمين

* * *

وكتب العبد الفقير

مُحَمَّد مُجِير الخَطِيب الحَسَنيّ

بدار السنة دار الحديث النورية بدمشق صانهما الله تعالى

قبيل عصر يوم الخميس 22 ربيع الثاني 1425هـ

----------------------------------------------

(1) متفق عليه من حديث أبي بكرة t في الخطبة بمنى، رواه البخاري في مواضع: أولها في العلم، باب قول النبي r : (( رب مبلَّغ أوعى من سامع)) 1 (67)، ومسلم في الديات، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، واللفظ له 11: 169 بشرح النووي.

(2) رواه من حديث زيد بن ثابت t : الترمذي في العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع 4 (2656) وقال: حسن. وأبو داود في العلم، باب فضل نشر العلم 4 (3652). وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم.

31) أخرجه البخاري في الفتن، باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة 13 (7084)، ومسلم في الإمارة 12: 237 بشرح النووي من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.

(4) رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2: 194.

(5) الحديث رواه جماعة من الصحابة، وهذا من رواية المغيرة بن شعبة t عند البخاري في كتاب الاعتصام، باب قول النبي r لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق 13 (7311). وقول ابن المديني رواه الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في الأئمة المضلين 4 (2229).

(6) فضائل الشام، لابن رجب 75.

(7) سير أعلام النبلاء، للذهبي 13: 323، ونقل كلمة الدارمي أيضاً: ابن الصلاح في علوم الحديث 254، والسبكي في طبقات الشافعية 2: 303 ونقل شيئاً من تعليق شيخه الذهبي.

(8) شرح علل الترمذي، لابن رجب 1: 42.

(9) شرح علل الترمذي، لابن رجب 2: 467.

(10) انظر: شرح العلل، لابن رجب 2: 472 وما بعدها.

(11) النكت على ابن الصلاح، للزركشي: نسخة الشيخ بدر الدين الحسني رحمه الله الخطية (ق: 8/ أ).

(12) تصدير شيخنا العلامة نور الدين عتر لشرح علل الترمذي، لابن رجب 59 - 60.

(13) كابن خزيمة من المحدثين، والشاطبي وصدر الشريعة من الأصوليين. انظر: الموافقات 1: 87، والتوضيح على التنقيح 1: 31.

(14) انظر: شرح علل الترمذي، لابن رجب 1: 303،387،390.

(15) نقله الشيخ طاهر الجزائري في توجيه النظر 2: 903

(16) قواعد التصوف، لأبي العباس زروق. القاعدة (37)

http://www.al-hodaa.com/ktab/moger.htm#_ftnref16

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015