1. الاتِّجار بتخريج الأحاديث! حتى صار ذلك صنعة يحترفها من ضاقت في وجهه سبل الكسب المعروفة، فانطلق إلىكتب العلماء (يحققها! ويخرِّج أحاديثها!!)،ويتكسَّب من ذلك.

2. اعتبار الوسائل غايات، ورب إنسان صلحت نيته، لكنْ لم يصب في عمله. ومن ذلك: تخريج الأحاديث؛ فهو وسيلة لتمييز الصحيح من السقيم، لا مراء في ذلك، لكن إن تميَّز الحديث مثلاً بكونه في الصحيحين أو أحدهما، فلا حاجة بعد ذلك للإفاضة في تخريجه، اللهم إلا أن يكون ذلك لغرض علمي، يدركه أهل الاختصاص، ولا يفهمه العوام – غير المشتغلين بهذا العلم الشريف -، وانظر العجب في تخريج بعض الأجزاء الحديثية، إذ يصير الجزءُ مجلداً ضخماً!، فإن انضم إلى ذلك: تخليط وسوء تخريج؛ فذلك بلاء مبين! ... ومن ذلك: الإفراط في تتبع أسانيد المتأخرين، في الأثبات والفهارس، التي لا يعوَّل عليها في إثبات حكم على الحديث إذا اشتهر في الكتب، وإنما المقصود من تلك الأسانيد: التَّبرُّك ببقاء السلسلة متصلةً بالحبيب r . . ومن ذلك: العناية بتحصيل الكتب، دون فهم ما فيها، والعمل به!. ولذلك مَثَل مشهور في القرآن الكريم.

3. زعم الإصلاح بالهدم لا البناء: نعم ... إنه من الواجب نفي الزيف عن السنة، والتنبيه على الموضوع الدائر على الألسنة، لكنَّ من المحرَّم أن يورِّث ذلك عوامَ الناس الشَّكَ في النقل جملة، فحَسَنٌ تمييز الصحيح من السقيم، ولكن ليس بحسن أن يفلت الزِّمام، فيَصِلَ العامةُ إلى الشك، ولا يستفيدون التمييز، وهذا حاصل مشاهدٌ الآن! فهل يكون إظهار الزيف المغشوش بكسر الصحيح الخالص من الذهب؟ وهل تكون نصرة السَُّّنةِ بالتشكيك فيها؟!! ..

4. تصدي فاقد الأهلية لنقد الأحاديث، وتجريح الأشخاص من المحدِّثين والفقهاء وسائر العلماء، وهو لم يكتمل بعدُ بناؤه الإيماني والعملي والسلوكي، بَلْه العلمي؛ فتجرَّأ بذلك الصِّبيان و السفهاء على التضعيف والتصحيح والتعديل والتجريح!!. روى رجاء بن حَيوة رحمه الله، عن رجل قال: كنا جلوساً عند معاوية t فقال: ((إن أغرى الضلالة: لَرَجُلٌ يقرأ القرآن فلا يفقه فيه، فيُعلِّمُه الصبيَّ و العبدَ و المرأةَ و الأمَةَ؛ فيجادلون به أهلَ العلم)) (4).

5. طلب الحديث لنصرة الأهواء والآراء أو مجاراة العلماء أو مماراة السفهاء، وهذا مناف لإخلاص العمل لله، وهو فعل من لا خلاق لهم، كمن يتعلم السَُّّنة ليهدم بنيان الفقهاء، أو كمن يتعلم السُّنَّة ليشيِّد رأيَه ويَرُدَّ على مخالِفِهِ؛ فإذا ظهر الحقُّ لهذين الرجلين بخلاف ما يعتقدان: أصرَّ كلٌ منهما على قوله، وأعرض عما عَلِمَ من الحديث.

6. الفصل بين العلم والعمل: سواء أكان ذلك الفصل كلياً أم جزئياً، وله صور كثيرة جداً في حياة المسلمين، أسوؤها: إقصاء السُّنة عن مقام الإمامة في حياة الأمة، فالحديث الشريف وإن كان ما زال يحفظ في الصدور وفي السطور، لكنَّه لا يُمكَّن الآن من بسط سلطانه على المجتمع ... إنها قضية من أهم القضايا الكبرى التي يتوجب الاهتمام بها، وهي إلى جانب القضايا السياسية والاجتماعية والفكرية آخذ بعضها ببعض، قد لا تنفع معها الحلول الجزئية .. والحديث طويل ذو شجون .. ومن صور الفصل بين العلم والعمل: الاهتمام ببعض السنن العملية الظاهرة، وترك المبالاة بسنن أخرى عملية ظاهرة أو باطنة، لا تقل أهمية عنها إن لم تَفُقْها في الطلب والاستحباب؛ كمن يلتزم بالسُّنَّة في الزي والهيئة، ولا يقيم السُّنَّة في التواضع وخفض الجناح وإفشاء السلام وحفظ النعمة!.

هذه بعض المآخذ على الاهتمام المعاصر بالسنة النبوية و الحديث الشريف، لكنَّ ذكرها لا يعني أبداً التهوين من شأن النهضة الحديثية المباركة، التي تمضي في سبيلها بإذن الله رغم المعوقات، فإن ما كان لله بقي. قال رسول الله r : (( لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون))، قال البخاري رحمه الله: ((وهم أهل العلم))، و قال علي ابن المديني رحمه الله: ((هم أهل الحديث)) (5). و جمعاً بين الأدلة وأقوال العلماء في تفسيرها، وبيان المراد منها قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: ((وأهل العلم بالسُّنة النبوية بالشام هم الطائفة المنصورة القائمين بالحقِّ، الذين لا يضرُّهم من خذلهم

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015